للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقدمة السادسة في أصناف المدركين من البشر بالفطرة أو الرياضة ويتقدمه الكلام في الوحي والرؤيا]

اعلم أنّ الله سبحانه اصطفى من البشر أشخاصا فضّلهم بخطابه وفطرهم على معرفته وجعلهم وسائل بينهم وبين عباده يعرّفونهم بمصالحهم ويحرّضونهم على هدايتهم ويأخذون بحجزاتهم عن النّار ويدلّونهم على طريق النّجاة وكان فيما يلقيه إليهم من المعارف ويظهره على ألسنتهم من الخوارق والأخبار الكائنات المغيّبة عن البشر الّتي لا سبيل إلى معرفتها إلّا من الله بوساطتهم ولا يعلمونها إلّا بتعليم الله إيّاهم قال صلّى الله عليه وسلّم ألا وإنّي لا أعلم إلّا ما علّمني الله واعلم أنّ خبرهم في ذلك من خاصّيّته وضرورته الصّدق لما يتبيّن لك عند بيان حقيقة النّبوة وعلامة هذا الصّنف من البشر أن توجد لهم في حال الوحي غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنّها غشي أو إغماء في رأي العين وليست منهما في شيء وإنّما هي في الحقيقة استغراق في لقاء الملك الرّوحانيّ بإدراكهم المناسب لهم الخارج عن مدارك البشر بالكلّيّة ثمّ يتنزّل إلى المدارك البشريّة إمّا بسماع دويّ من الكلام فيتفهّمه أو يتمثّل له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله ثمّ تنجلي عنه تلك الحال وقد وعى ما القي إليه قال صلّى الله عليه وسلّم وقد سئل عن الوحي «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشدّه عليّ فيفصم [١] عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثّل لي الملك رجلا فيكلّمني فأعي ما يقول» ويدركه أثناء ذلك من


[١] يفصم عني: يفارقني

<<  <  ج: ص:  >  >>