للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل السادس والعشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب]

والسّبب في ذلك أنّهم أمّة وحشيّة باستحكام عوائد التّوحّش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلّة وكان عندهم ملذوذا لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسّياسة وهذه الطّبيعة منافية للعمران ومناقضة له فغاية الأحوال العاديّة كلها عندهم الرّحلة والتّغلب [١] وذلك مناقض للسّكون الّذي به العمران ومناف له فالحجر مثلا إنّما حاجتهم إليه لنصبه أثافيّ القدر فينقلونه من المباني ويخرّبونها عليه ويعدّونه لذلك والخشب أيضا إنّما حاجتهم إليه ليعمّدوا [٢] به خيامهم ويتّخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخرّبون السّقف عليه لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الّذي هو أصل العمران هذا في حالهم على العموم وأيضا فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي النّاس وأنّ رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال النّاس حدّ ينتهون إليه بل كلّما امتدّت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون انتهبوه فإذا تمّ اقتدارهم على ذلك بالتّغلب والملك بطلت السّياسة في حفظ أموال النّاس وخرب العمران وأيضا فلأنّهم يكلّفون على أهل الأعمال من الصّنائع والحرف أعمالهم لا يرون لها قيمة ولا قسطا من الأجر والثّمن والأعمال كما سنذكره هي أصل المكاسب وحقيقتها وإذا فسدت الأعمال وصارت مجّانا ضعفت الآمال في المكاسب وانقبضت الأيدي عن العمل وابذعرّ السّاكن وفسد العمران وأيضا فإنّهم ليست لهم عناية بالأحكام وزجر النّاس عن المفاسد ودفاع بعضهم


[١] بمعنى التنقل.
[٢] عمد السقف: دعائمه وركائزه.

<<  <  ج: ص:  >  >>