للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرطاجنة تسلك بطن الأرض في أماكن، وتركب البناء العاديّ ذا الهياكل الماثلة والقسي القائمة على الأرجل الضخمة في أخرى، فعطف هذه القناة من أقرب السموات [١] إلى هذا البستان. وأمطاها حائطا وصل ما بينهما حتى ينبعث من فوهة عظيمة إلى جب عميق المهوى، رصيف البناء متباعد الأقطار مربّع القنا مجلّل بالكلس، إلى أن يغمره الماء فيرسله في قناة أخرى قريبة الغاية، فينبعث في الصهريج إلى أن يعبق حوضه، وتضطرب أمواجه يترفه الحظايا عن السعي بشاطئه لبعد مداه فيركبن في الجواري المنشئات ثبجه فيتبارى بهنّ تباري الفتح، ومثلت بطرفي هذا الصهريج قبّتان متقابلتان كبرا وصغرا على أعمدة المرمر، مشيّدة جوانبها بالرخام المنجّد، ورفعت سقفها من الخشب المقدّر بالصنائع المحكمة والأشكال المنمّقة، إلى ما اشتملت عليه هذه الرياض من المقاصير والأواوين والحوائز والقصور غرفا من فوقها غرف مبنيّة تجري من تحتها الأنهار، وتأنّق في مبانيه هذه واستبلغ وعدل عن مصانع سلفه ورياضهم إلى متنزّهاته من هذه، فبلغ فيها الغاية في الاحتفال وطار لها ذكر في الآفاق.

[(الخبر عن فرار أخيه أبي إسحاق وبيعة رياح له وما قارن ذلك من الأحداث)]

كان الأمير أبو إسحاق في إيالة أخيه المستنصر، وكان يعاني من خلقه وملكته عليه شدة، وكان السلطان يخافه على أمره وخرج سنة إحدى وخمسين وستمائة لبعض الوجوه السلطانيّة، ففرّ الأمير أبو إسحاق من معسكره، ولحق بالدواودة من رياح، فبايعوه بروايا من نواحي نقاوس، واجتمعوا على أمره. وبايع له ظافر مولى أبيه النازع إليهم واعتقد منه الذمّة والرتبة، وقصدوا بسكرة وحاصروها، ونادى بشعار طاعتهم فضل بن علي ابن الحسن بن مزني من مشيختها. وائتمر به الملأ ليقتلوه، ففرّ إليه وصار في جملته. ثم بايع له أهل بسكرة ودخلوا في طاعته. ثم ارتحلوا إلى قابس فنازلوها، واجتمعت عليه الأعراب من كل أوب. وأهمّ السلطان شأنه، وتقبّض


[١] وفي نسخة أخرى: الثمرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>