وسبعا وعشرين سنة. وكان قتل عقبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس باغرائها برابرة تهودا عليه، وكان المسلمون يعرفون ذلك منها. فلما انقضى جمع البربر وقتل كسيلة رجعوا إلى هذه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس، وقد ضوى إليها بنو يفرن ومن كان بإفريقية من قبائل زناتة وسائر البتر، فلقيتهم بالبسيط أمام جبلها، وانهزم المسلمون واتبعت آثارهم في جموعها حتى أخرجتهم من إفريقية، وانتهى حسّان إلى برقة فأقام بها حتى جاءه المدد من عبد الملك، فزحف إليهم سنة أربع وسبعين وفضّ جموعهم، وأوقع بهم وقتل الكاهنة، واقتحم جبل أوراس عنوة واستلحم فيه زهاء مائة ألف.
وكان للكاهنة ابنان قد لحقا بحسّان وحسن إسلامهما واستقامت طاعتهما، وعقد لهما على قومهما جراوة ومن انضوى إليهم بجبل أوراس. ثم افترق فلّهم من بعد ذلك وانقرض أمرهم. وافترق جراوة أوزاعا بين قبائل البربر، وكان منهم قوم بسواحل مليلة، وكان لهم آثار بين جيرانهم هناك. واليهم نزع ابن أبي العيش لمّا غلبه موسى ابن أبي العافية على سلطانه بتلمسان أوّل المائة الرابعة حسبما نذكره. فنزل عليهم وبنى القلعة بينهم إلى أن خرّبت من بعد ذلك. والفلّ منهم بذلك الوطن إلى الآن لهذا العهد مندرجون في بطونه [١] ومن إليهم من قبائل غمارة والله وارث الأرض ومن عليها.
[(الخبر عن مبتدإ دول زناتة في الإسلام ومصير الملك اليهم بالمغرب وافريقية)]
لما فرغ شأن الردّة من إفريقية والمغرب وأذعن البربر لحكم الإسلام وملكت العرب، واستقلّ بالخلافة ورياسة العرب بنو أمية اقتعدوا كرسيّ الملك بدمشق، واستولوا على سائر الأمم والأقطار، وأثخنوا في القاصية من لدن الهند والصين في المشرق، وفرغانة في الشمال، والحبشة في الجنوب، والبربر في المغرب، وبلاد الجلالقة والإفرنجة في الأندلس. وضرب الإسلام بجرانه، وألقت دولة العرب بكلكلها على الأمم. ثم جدع بنو أمية أنوف بني هاشم مقاسميهم في نسب عبد مناف، والمدّعين