للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتلك العصبيّة الكبرى إنّما تكون لقوم أهل بيت ورئاسة فيهم، ولا بدّ من أن يكون واحد منهم رئيسا لهم غالبا عليهم فيتعيّن رئيسا للعصبيّات كلّها لغلب منبته لجميعها وإذا تعيّن له ذلك فمن الطّبيعة الحيوانيّة خلق الكبر والأنفة فيأنف حينئذ من المساهمة والمشاركة في استتباعهم والتّحكّم فيهم ويجيء خلق التّألّه الّذي في طباع البشر مع ما تقتضيه السّياسة من انفراد الحاكم لفساد الكلّ باختلاف الحكّام «لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا ٢١: ٢٢» [١] فتجدع حينئذ أنوف العصبيّات وتفلح شكائمهم عن أن يسموا إلى مشاركته في التّحكّم وتقرع عصبيّتهم عن ذلك وينفرد به ما استطاع حتّى لا يترك لأحد منهم في الأمر لا ناقة ولا جملا فينفرد بذلك المجد بكلّيّته ويدفعهم عن مساهمته وقد يتمّ ذلك للأوّل من ملوك الدّولة وقد لا يتمّ إلّا للثّاني والثّالث على قدر ممانعة العصبيّات وقوّتها إلّا أنّه أمر لا بدّ منه في الدّول سنّة الله الّتي قد خلت في عباده والله تعالى أعلم.

[الفصل الحادي عشر في ان من طبيعة الملك الترف]

وذلك أنّ الأمّة إذا تغلّبت وملكت ما بأيدي أهل الملك قبلها كثر رياشها ونعمتها فتكثر عوائدهم ويتجاوزون ضرورات العيش وخشونته إلى نوافله ورقّته وزينته ويذهبون إلى اتّباع من قبلهم في عوائدهم وأحوالهم وتصير لتلك النّوافل عوائد ضروريّة في تحصيلها وينزعون مع ذلك إلى رقّة الأحوال في المطاعم والملابس والفرش والآنية ويتفاخرون في ذلك ويفاخرون فيه غيرهم من الأمم في أكل الطّيّب ولبس الأنيق وركوب الفاره [٢] ويناغي خلفهم في ذلك سلفهم إلى آخر الدّولة وعلى قدر ملكهم يكون حظّهم من ذلك وترفهم فيه إلى أن يبلغوا من ذلك


[١] سورة الأنبياء الآية ٢٢.
[٢] الفارة في الفرس والبرذون والحمار: الجيد السير.

<<  <  ج: ص:  >  >>