أعقابهم الأمير أبو زكريّا يحيى ابن السّلطان أبي إسحاق إبراهيم رابع خلفائهم واستحدث ملكا بجباية وقسنطينة وما إليها، أورثه بنيه وقسموا به الدّولة قسمين ثمّ استولوا على كرسيّ الحضرة بتونس ثمّ انقسم ما بين أعقابهم ثمّ عاد الاستيلاء فيهم وقد ينتهي الانقسام إلى أكثر من دولتين وثلاث وفي غير أعياص الملك من قومه كما وقع في ملوك الطّوائف بالأندلس وملوك العجم بالمشرق وفي ملك صنهاجة بإفريقيّة فقد كان لآخر دولتهم في كلّ حصن من حصون إفريقية ثائر مستقلّ بأمره كما تقدّم ذكره وكذا حال الجريد والزّاب من إفريقية قبيل هذا العهد كما نذكره وهكذا شأن كلّ دولة لا بدّ وأن يعرض فيها عوارض الهرم بالتّرف والدّعة وتقلّص ظلّ الغلب فينقسم أعياصها أو من يغلب من رجال دولتها الأمر ويتعدّد فيها الدّول والله وارث الأرض ومن عليها.
[الفصل السادس والأربعون في أن الهرم إذا نزل بالدولة لا يرتفع]
قد قدّمنا ذكر العوارض المؤذنة بالهرم وأسبابه واحدا بعد واحد وبيّنّا أنّها تحدث للدّولة بالطّبع وأنّها كلّها أمور طبيعيّة لها وإذا كان الهرم طبيعيّا في الدّولة كان حدوثه بمثابة حدوث الأمور الطّبيعيّة كما يحدث الهرم في المزاج الحيوانيّ والهرم من الأمراض المزمنة الّتي لا يمكن دواؤها ولا ارتفاعها لما أنّه طبيعيّ والأمور الطّبيعيّة لا تتبدّل وقد يتنبّه كثير من أهل الدّول ممّن له يقظة في السّياسة فيرى ما نزل بدولتهم من عوارض الهرم ويظنّ أنّه ممكن الارتفاع فيأخذ نفسه بتلافي الدّولة وإصلاح مزاجها عن ذلك الهرم ويحسبه أنّه لحقها بتقصير من قبله من أهل الدّولة وغفلتهم وليس كذلك فإنّها أمور طبيعيّة للدّولة والعوائد هي المانعة له من تلافيها والعوائد منزلة طبيعيّة أخرى فإنّ من أدرك مثلا أباه وأكثر