للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تسع وخمسين وثلاثمائة وقعد ابنه أبو الفتح، وكان شابا مليحا قد أبطره العزّ والدالة على أبيه، وكان يتعرّض كثيرا لما يغضبه. وكانت بأبي الفضل علّة النقرس فتزايدت عليه وأفحشت عليه، ولمّا وصل إلى همذان توفي بها لأربع وعشرين سنة من وزارته، وأقام ابنه أبا الفتح مقامه وصالح حسنويه على مال أخذه منه، وعاد إلى الريّ إلى مكانه من خدمة ركن الدولة. وكان أبو الفضل بن العميد كاتبا بليغا، وعالما في عدة فنون مجيدا فيها ومطّلعا على علوم الأوائل، وقائما بسياسة الملك مع حسن الخلق ولين العشرة والشجاعة المعروفة بتدبير الحروب، ومنه تعلّم عضد الدولة السياسية وبه تأدّب.

[(انتقاض كرمان على عضد الدولة)]

ولما ملك عضد الدولة كرمان كما قلناه اجتمع القفص والبلوص وفيهم أبو سعيد وأولاده واتفقوا على الانتقاض والخلاف. واستمدّ عضد الدولة كورتكين بن حسّان بعابد بن عليّ، فسارا في العساكر إلى جيرفت وحاربوا أولئك الخوارج فهزموهم وأثخنوا فيهم وقتلوا من شجعانهم، وفيهم ابن لأبي سعيد. ثم سار عابد بن عليّ في طلبهم وأوقع بهم عدّة وقائع وأثخن فيهم، وانتهى إلى هرمز فملكها واستولى على بلاد التّيز ومكران وأسر منهم ألف أسير [١] حتى استقاموا على الطاعة وإقامة حدود الإسلام. ثم سار عائدا إلى طائفة أخرى يعرفون بالحروميّة والجاسكيّة [٢] يخيفون السبيل برّا وبحرا، وكانت قد تقدّمت لهم إعانة سليمان بن أبي عليّ بن إلياس، فلمّا أوقع بهم أثخن فيهم حتى استقاموا على الطاعة وصلحت تلك البلاد مدّة. ثم عاد البلوص إلى ما كانوا عليه من إخافة السبيل بها، فسار عضد الدولة إلى كرمان في القعدة اثنتين وانتهى إلى السّيرجان وسرّح عابد بن عليّ في العساكر لاتباعهم، فأوغلوا في الهرب ودخلوا إلى مضايق يحسبونها تمنعهم، فلما زاحمتهم العساكر كربها آخر ربيع الأوّل من سنة إحدى وستين وثلاثمائة صابروا يوما، ثم انهزموا آخره فقتلت مقاتلتهم وسبيت


[١] يذكر ابن الأثير ان ابنين لأبي سعيد البلوصي قد قتلا، وان عابد بن علي قد اسر من الخوارج الفين:
ج ٨ ص ٦١٣.
[٢] الحاسكيّة: المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>