ولما انصرف ناصر الدولة وسيف الدولة عن المتقي من بغداد جاء توزون من واسط واستولى على الدولة. ثم رجع إلى واسط ووقعت بينه وبين ابن البريدي بالبصرة مواصلة وصهر استوحش لها المتقي. وكان بعض أصحاب توزون منافرا له، فأكثر فيه السعاية عند المتقي والوزير ابن مقلة، وخوفهما اتصال يده بابن البريدي. وقارن ذلك اتصال ابن شيرزاده بتوزون ومسيره إليه بواسط، فذكروا الخليفة بما فعل ابن البريدي معه في المرّة الأخرى وخوّفوه عاقبة أمرهم، فكتب الى ابن حمدان أن ينفذ إليه عسكرا يسير صحبته إليهم فأنفذ مع ابن عمه الحسين بن سعيد بن حمدان، ووصلوا إلى بغداد سنة اثنتين وثلاثين وخرج المتقي معهم بأهله وأعيان دولته، ومعه الوزير ابن مقلة، وانتهى إلى تكريت فلقيه سيف الدولة لك. وجاء ناصر الدولة فأصعد المتقي إلى الموصل. ولما بلغ الخبر إلى توزون سار نحو تكريت فلقيه سيف الدولة عندها فقاتله ثلاثة أيام. ثم هزمه توزون ونهب سواده وسواد أخيه. وسار سيف الدولة إلى الموصل وتوزون في اتباعه، فخرج ناصر الدولة والمتقي وجملته إلى نصيبين، ثم إلى الرقة، ولحقهم سيف الدولة إليها. وملك توزون الموصل. وبعث إليه المتقي يعاتبه على اتصاله بابن البريدي، وأنه إنما استوحش من ذلك فإن آثر رضاه واصل ابن حمدان فأجاب توزون إلى ذلك، وعقد الضمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين، كل سنة بثلاثة آلاف ألف وستمائة ألف. وعاد توزون إلى بغداد وأقام المتقي بالرقة. ثم أحس من ابن حمدان ضجرا به، وبلغ سيف الدولة أن محمد بن نيال الترجمان أغرى المتقي بسيف الدولة، وهو الّذي كان أفسد بين المتقي وتوزون فقبض عليه سيف الدولة وقتله، وارتاب المتقي بذلك فكتب إلى توزون يستصلحه.
وكتب إلى الإخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه، فسار إليه الإخشيد. ولما وصل إلى حلب وعليها من قبل سيف الدولة ابن عمهم أبو عبد الله سعيد بن حمدان
[١] الصحيح سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة كما في الكامل لابن الأثير ج ٨ ص ٣٩٤.