للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصر، وأظلم الليل فأمر المنصور بإشعال النيران في الشعراء [١] المحيطة بالقصر حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذرا من فراره، حتى خرج الليل وحمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له، وأمر المنصور بطلبه فألفوه وقد حمله ثلاثة من أصحابه لأنه كان جريحا فسقط من الوعر وارتث [٢] فحملوه إلى المنصور فسجد سجدة الشكر، وأقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست وثلاثين. ثم هلك من الجراحة التي به فأمر بسلخ جلده وحشوه تبنا واتخذ له قفصا فأدخل فيه مع قردين يلاعبانه بعثاله [٣] . ورحل إلى القيروان والمهديّة ولحق ابنه فضل بمعبد بن خزر، وزحف به الى طبنة وبسكرة. وقصد المنصور فانهزم معبد وصعد إلى كتامة، فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع وقيصر، ومعهما زيري بن مناد في صنهاجة، فانهزم فضل ومعبد وافترق جمعهم ورجع المنصور إلى القيروان فدخلها.

[(بقية أخبار المنصور)]

ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب وانحرف عن طاعة الشيعة، ودعا للأموية من وراء البحر، وزحف إلى تاهرت فحاصرها فنهض إليه المنصور في صفر سنة ست وثلاثين، وجاء إلى سوق حمزة فأقام به. وحشد زيري بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية، ورحل مع المنصور فأفرج حميد عن تاهرت، وعقد عليها ليعلى بن محمد اليفرني، وعقد لزيري بن مناد على قومه وعلى سائر بلادهم. ثم رحل لقتال لواتة فهربوا إلى الرمال، وأقام هو على واد ميناس، وكان هنالك ثلاثة جبال كل منهم عليه قصر مبني بالحجر المنحوت، فوجد في وجه أحد هذه القصور كتابة على حجر فسيح، فأمر المنصور التراجمة بقراءته، وإذا فيه أنا سليمان السردغوس خالف أهل هذا البلد على الملك، فبعثني إليهم ففتح الله عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به.

ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه. ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد أن خلع


[١] الشجر الكثير.
[٢] وارتث: اي حمل من المعركة جريحا (القاموس) .
[٣] اي بلحيته الكبيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>