رجب سنة تسع وعشرين فضبط الأندلس، وقام بأمره الضّميل واجتمع عليه الفريقان وهلك لسنتين من ولايته، ووقع الخلاف بإفريقية وتلاشت أمور بني أميّة بالمشرق وشغلوا عن قاصية المغرب بكثرة الخوارج، وعظم أمر المسودة فبقي أهل الأندلس فوضى ونصبوا للأحكام خاصة عبد الرحمن بن كثيّر. ثم اتفق جند الأندلس على اقتسام الإمارة بين المضريّة واليمنيّة، وادالتها بين الجندين سنة لكل دولة. وقدم المضريّة على أنفسهم يوسف بن عبد الرحمن الفهريّ سنة تسع وعشرين، واستقرّ سنة ولايته بقرطبة دار الإمارة ثم وافقتهم اليمنية لميعاد ادالتهم واثقين بمكان عهدهم وتراضيهم واتفاقهم، فبيّتهم يوسف بمكان نزلهم من شقندة من قرى قرطبة [١] من الضميل بن حاتم والقيسيّة والمضريّة فاستلحموهم، واستبدّ يوسف بما وراء البحرين عدوة الأندلس، وغلب اليمنيّة على أمرهم فاستكانوا للغلبة، وتربّصوا بالدوائر إلى أن جاء عبد الرحمن الداخل، فكان يوسف بن عبد الرحمن قد ولّى الضّميل بن حاتم سرقسطة، فلما ظهر أمر المسودة بالمشرق ثار الحباب ابن رواحة الزهريّ بالأندلس داعيا لهم وحاصر الضّميل بسرقسطة، واستمدّ يوسف فلم يمدّه رجاء هلاكه بما كان يغصّ به وأمدّته القيسيّة فأخرج عنه الحباب، وفارق الضّميل سرقسطة فملكها الحباب وولّى يوسف الضّميل على طليطلة إلى أن كان من أمر عبد الرحمن الداخل ما نذكره.
(مسير عبد الرحمن الداخل الى الأندلس وتجديده الدولة بها)
لما نزل ما نزل ببني أمية بالمشرق وغلبهم بنو العبّاس على الخلافة وأزالوهم عن كرسيّها وقتل عبد الله بن محمد بن مروان بن الحكم آخر خلفائهم سنة اثنتين وثلاثين ومائة وتتبّع بنو مروان بالقتل، فطلبوا من بعدها بطن الأرض. وكان ممن أفلت منهم عبد
[١] هكذا بياض بالأصل وفي الكامل ج ٥ ص ٣٧٥: «فلما انتهى إلى أبي الخطّار موت ثوابة وولاية يوسف قال: إنّما أراد الصّميل ان يصير الأمر الى مضر، وسعى في الناس حتى ثارت الفتنة بين اليمن ومضر. فلما رأى يوسف ذلك فارق قصر الإمارة بقرطبة وعاد الى منزله، وسار ابو الخطّار الى شقندة فاجتمعت اليه اليمانية، واجتمعت المضرية الى الصّميل وتزاحفوا واقتتلوا أياما كثيرة» .