وبعث إليه صاحبها محمود مع نقيب النقباء طراد بالاستعفاء من الحضور فألحّ في ذلك، وحاصره فلما اشتدّ عليه الحصار خرج ليلا إلى السلطان، ومعه أمّه منيعة بنت وثاب النميري ملقيا بنفسه فأكرمه السلطان وخلع عليه وأعاده إلى بلده فقام بطاعته.
[واقعة السلطان مع ملك الروم وأسره]
كان ملك الروم في القسطنطينية وهو أرمانوس قد خرج سنة اثنتين وستين إلى بلاد الشام في عساكر كثيفة، ونزل على منبج ونهبها وقتل أهلها، وزحف إليه محمود بن صالح بن مرداس وابن حسّان الطائي في بني كلاب وطيِّئ ومن إليهم من جموع العرب فهزمهم، وطال عليه المقام على منبج وعزّت الأقوات فرجع إلى بلاده، واحتشد وسار في مائتي ألف من الزنج والروم والروس والكرخ، وخرج في احتفال إلى أعمال خلاط ووصل الى ملاذجرد. وكان السلطان ألب أرسلان بمدينة خويّ من أذربيجان عند عوده من حلب فتشوّق إلى الجهاد، ولم يتمكن من الاحتشاد، فبعث أثقاله وزوجته مع نظام الملك إلى همذان وسار فيمن حضره من العساكر.
وكانوا خمسة عشر ألفا ووطّن نفسه على الاستماتة، فلقيت مقدّمته عند خلاط جموع الروسية في عشرة آلاف فانهزموا وجيء بملكهم إلى السلطان فحبسه، وبعث بالأسلاب إلى نظام الملك ليرسلها الى بغداد. ثم تقارب العسكران وجنح السلطان للمهادنة فأبى ملك الروم فاعتزم السلطان وزحف وأكثر من الدعاء والبكاء. وعفّر وجهه بالتراب. ثم حمل عليهم فهزمهم وامتلأت الأرض باشلائهم وأسر الملك أرمانوس، جاء به بعض الغلمان أسيرا فضربه السلطان على رأسه ثلاثا ووبّخه. ثم فاداه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وعلى أن يطلق كل أسير عنده، وأن تكون عساكر الروم مددا للسلطان متى يطلبها. وتمّ الصلح على ذلك لمدّة خمسين سنة. وأعطاه السلطان عشرة آلاف دينار وخلع عليه وأطلقه، ووثب ميخاييل على الروم فملك عليهم مكان أرمانوس فجمع ما عنده من الأموال فكان مائتي ألف دينار، وجيء بطبق مملوء بجواهر قيمته تسعون ألفا. ثم استولى أرمانوس بعد ذلك على أعمال الأرمن وبلادهم.