للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألفا ربّ بيت ولمّا تحصّلوا في ملكة العرب وقبضة القهر لم يكن بقاؤهم إلّا قليلا ودثروا كأن لم يكونوا ولا تحسبنّ أنّ ذلك لظلم نزل بهم أو عدوان شملهم فملكة الإسلام في العدل ما علمت وإنّما هي طبيعة في الإنسان إذا غلب على أمره وصار آلة لغيره ولهذا إنّما تذعن للرّقّ في الغالب أمم السّودان لنقص الإنسانيّة فيهم وقربهم من عرض الحيوانات العجم كما قلناه أو من يرجو بانتظامه في ربقة الرّقّ حصول رتبة أو إفادة مال أو عزّ كما يقع لممالك التّرك بالمشرق والعلوج [١] من الجلالقة والإفرنجة فإنّ العادة جارية باستخلاص الدّولة لهم فلا يأنفون من الرّقّ لما يأملونه من الجاه والرّتبة باصطفاء الدّولة والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق.

[الفصل الخامس والعشرون في أن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط]

وذلك أنّهم بطبيعة التّوحّش الّذي فيهم أهل انتهاب وعيث ينتهبون ما قدروا عليه من غير مغالبة ولا ركوب خطر ويفرّون إلى منتجعهم بالقفر ولا يذهبون إلى المزاحفة والمحاربة إلّا إذا دفعوا بذلك عن أنفسهم فكلّ معقل أو مستصعب عليهم فهم تاركوه إلى ما يسهل عنه ولا يعرضون له والقبائل الممتنعة عليهم بأوعار الجبال بمنجاة من عيثهم وفسادهم لأنّهم لا يتسنّمون إليهم الهضاب ولا يركبون الصّعاب ولا يحاولون الخطر وأمّا البسائط فمتى اقتدروا عليها بفقدان الحامية وضعف الدّولة فهي نهب لهم وطمعة لآكلهم يردّدون عليها الغارة والنّهب والزّحف لسهولتها عليهم إلى أن يصبح أهلها مغلبين لهم ثمّ يتعاورونهم باختلاف الأيدي وانحراف السّياسة إلى أن ينقرض عمرانهم والله قادر على خلقه وهو الواحد القهّار لا ربّ غيره.


[١] العلوج: بمعنى كفار العجم.

<<  <  ج: ص:  >  >>