للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مثل انتحال ما تقدّم لغيره من التآليف أن ينسبه إلى نفسه ببعض تلبيس، من تبديل الألفاظ وتقديم المتأخّر وعكسه، أو يحذف ما يحتاج إليه في الفنّ أو يأتي بما لا يحتاج إليه، أو يبدّل الصواب بالخطإ، أو يأتي بما لا فائدة فيه.

فهذا شأن الجهل والقحّة. ولذا قال أرسطو، لمّا عدّد هذه المقاصد، وانتهى إلى آخرها فقال: وما سوى ذلك ففصل أو شره، يعني بذلك الجهل والقحّة. نعوذ باللَّه من العمل في ما لا ينبغي للعاقل سلوكه. والله يهدي للّتي هي أقوم.

[الفصل السادس والثلاثون في أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم]

ذهب كثير من المتأخّرين إلى اختصار الطّرق والأنحاء في العلوم يولعون بها ويدوّنون منها برنامجا مختصرا في كلّ علم يشتمل على حصر مسائله وأدلّتها باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفنّ. وصار ذلك مخلّا بالبلاغة وعسرا على الفهم. وربّما عمدوا إلى الكتب الأمّهات المطوّلة في الفنون للتّفسير والبيان فاختصروها تقريبا للحفظ كما فعله ابن الحاجب في الفقه وابن مالك في العربيّة والخونجيّ في المنطق وأمثالهم. وهو فساد في التّعليم وفيه إخلال بالتّحصيل وذلك لأنّ فيه تخليطا على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه وهو لم يستعدّ لقبولها بعد وهو من سوء التّعليم كما سيأتي. ثمّ فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلّم بتتبّع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها. لأنّ ألفاظ المختصرات تجدها لأجل ذلك صعبة عويصة فينقطع في فهمها حظ صالح عن الوقت. ثمّ بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التّعليم في تلك المختصرات إذا تمّ على سداده ولم تعقبه آفة فهي ملكة قاصرة عن الملكات الّتي تحصل من الموضوعات البسيطة المطوّلة لكثرة ما يقع

<<  <  ج: ص:  >  >>