ولما وصل علي بن غانية إلى طرابلس ولقي قراقش اتفقا على المظاهرة على الموحّدين واستمال ابن غانية كافة بني سليم من العرب وما جاورهم من مجالاتهم ببرقة وخالطوه في ولايتهم، واجتمع إليه من كان محرفا عن طاعة الموحّدين من قبائل هلال مثل:
جشم ورياح والأبثج، وخالفتهم زغبة إلى الموحّدين، فاحتفلوا [١] بطاعتهم سائر أيامهم. ولحق بابن غانية فلّ قومه من لمتونة ومنونة من أطراف البقاع، فانعقد أمره وتجدّد بذلك القطر سلطان قومه. وجدد رسوم الملك واتخذ الآلة وافتتح كثيرا من بلاد الجريد وأقام فيها الدعوة العبّاسية. ثم بعث ولده وكاتبه عبد المؤمن من فرسان الأندلس إلى الخليفة الناصر بن المستضيء ببغداد مجدّدا ما سلف لقومه من المرابطين بالمغرب من البيعة والطاعة، وطلب المدد والإعانة. فعقد له كما كان لقومه وكتب الكتاب من ديوان الخليفة إلى ملك مصر والشام النائب عن الخليفة بها صلاح الدين يوسف بن أيوب، فجاء إلى مصر فكتب له صلاح الدين إلى قراقش واتصل أمرهما في إقامة الدعوة العبّاسية.
وظاهره ابن غانية على حصار قابس فافتتحها قراقش من يد سعيد بن أبي الحسن، وولّى عليها مولاه وجعل فيها ذخائره. ثم اتصل بها إلى أن وصل قفصة خلعوا طاعة ابن غانية، فظاهره قراقش عليها فافتتحها عنوة. ثم رحل إلى توزر وقراقش في مظاهرته فافتتحها أيضا. ولما اتصل بالمنصور ما نزل بإفريقية من أجلاب ابن غانية وقراقش على بلاد الجريد نهض من مراكش سنة ثمان وثمانين وخمسمائة لحسم هذا الداء واستنقاذ ما غلبوا عليه. ووصل إلى تونس فأراح بها وسرّح في مقدّمته السيد أبا يوسف يعقوب بن أبي حفص عمر بن عبد المؤمن، ومعه عمر بن أبي زيد من أعيان الموحّدين، فلقيهم ابن غانية في جموعه بعهده، فانهزم الموحّدون وقتل ابن أبي زيد وجماعة منهم، وأسر علي بن الزبرتير في آخرين، وامتلأت أملاك العدو من أسلابهم ومتاعهم. ووصل سرعان الناس إلى تونس، وصمد المنصور إليهم فأوقع