للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(فصل في تسمية زناتة ومبنى هذه الكلمة)]

(أعلم) أن كثيرا من الناس يبحثون عن مبنى هذه الكلمة واشتقاقها على ما ليس معروفا للعرب ولا لأهل الجيل أنفسهم فيقال: هو اسم وضعته العرب على هذا الجيل، ويقال بل الجيل وضعوه لأنفسهم أو اصطلحوا عليه. ويقال: هو زانا بن جانا فيزيدون في النسب شيئا لم تذكره النسّابة. وقد يقال إنه مشتق ولا يعلم في لسان العرب أصل مستعمل من الأسماء يشتمل على حروفه المادية، وربّما يحاول بعض الجهلة اشتقاقه من لفظ الزنا، ويعضده بحكاية خسيسة يدفعها الحق، وهذه الأقوال كلّها ذهاب [١] إلى أنّ العرب وضعت لكل شيء اسما، وأنّ استعمالها إنّما هو لأوضاعها التي من لغتها ارتجالا واشتقاقا. وهذا إنّما هو في الأكثر وإلّا فالعرب قد استعملت كثيرا من غير لغتها في مسمّاه إمّا لكونه علما فلا يغير مثل إبراهيم ويوسف وإسحاق من اللغة العبرانية، وإمّا استعانة وتخفيفا لتداوله بين الألسنة كاللجام والديباج والزنجبيل والنيروز والياسمين والآجرّ، فتصير باستعمال العرب كأنها من أوضاعهم. ويسمّونها المعرّبة وقد يغيّرونها بعض التغيير في الحركات أو في الحروف، وهو شائع لهم لأنه بمنزلة وضع جديد.

وقد يكون الحرف من الكلمة ليس من حروف لغتهم فيبدّلونه بما يقرب منه في المخرج فإن مخارج الحروف كثيرة منضبطة وإنّما نطقت العرب منها بالثمانية والعشرين حروف أبجد. وبين كل مخرجين منها حروف أكثر من واحد فمنها ما نطقت به الأمم، ومنها ما لم تنطق به، ومنها ما نطق به بعض العرب كما هو مذكور في كتب أهل اللسان.

وإذا تقرّر ذلك فاعلم أن أصل هذه اللفظة التي هي زناتة من صيغة جانا التي هي اسم أبي الجيل كله، وهو جانا بن يحيى المذكور في نسبهم. وهم إذا أرادوا الجنس في التعميم الحقوا بالاسم المفرد تاء فقالوا جانات. وإذا أرادوا التعميم زادوا مع التاء نونا فصار جاناتن، ونطقهم بهذه الجيم ليس من مخرج الجيم عند العرب بل ينطقون بها بين الجيم والشين وأميل إلى السين، ويقرب للسمع منها بعض الصفير فأبدلوها زايا


[١] الصحيح أن يقول تذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>