خطب الناس وحذرهم وتعرف الأحوال، وكتب إلى عثمان أن أهل الكوفة قد اضطرب أمرهم وغلب الروادف والتابعة على أهل الشرف والسابقة، فكتب إليه عثمان أن يفضل أهل السابقة ويجعل من جاء بعدهم تبعا يعرف لكل منزلته ويعطيه حقه. فجمع الناس وقرأ عليهم كتاب عثمان وقال: أبلغوني حاجة ذي الحاجة.
وجعل القراء في سمره فلم ترض أهل الكوفة ذلك وفشت المقالة، وكتب سعيد إلى عثمان فجمع الناس واستشارهم فقالوا: أصبت لا تطمع في الأمور من ليس لها بأهل فتفسد. فقال: يا أهل المدينة إني أرى الفتن دبت إليكم وإني أرى أن أتخلص الّذي لكم وأنقله إليكم من العراق. فقالوا: وكيف ذلك؟ قال: تبيعونه ممن شئتم بما لكم في الحجاز واليمن. ففعلوا ذلك واستخلصوا ما كان لهم بالعراق، منهم طلحة ومروان والأشعث بن قيس، ورجال من القبائل اشتروا ذلك بأموال كانت لهم بخيبر ومكة والطائف.
[غزو طبرستان]
وفي هذه السنة غزا سعيد بن العاص طبرستان ولم يغزها أحد قبله، وقد تقدّم أن الأصبهبذ صالح سويد بن مقرن عنها أيام عمر على مال، فغزاها سعيد في هذه السنة ومعه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الحسن والحسين وابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزبير وحذيفة بن اليمان في غيرهم، ووافق خروج ابن عامر من البصرة إلى خراسان فنزل نيسابور، ونزل سعيد قومس وهي صلح كان حذيفة صالحهم عليه بعد نهاوند. فأتى سعيد جرجان فصالحوه علي مائتي ألف، ثم أتى متاخمة جرجان على البحر فقاتله أهلها، ثم سألوا الأمان فأعطاهم على أن لا يقتل منهم رجلا واحدا، وفتحوا فقتلهم أجمعين إلا رجلا وقتل معه محمد بن الحكم بن أبي عقيل جدّ يوسف بن عمرو، وكان أهل جرجان يعطون الخراج تارة مائة ألف وأخرى مائتين وثلاثمائة وربما منعوه. ثم امتنعوا وكفروا فانقطع طريق خراسان من ناحية قومس إلا على خوف شديد، وصار الطريق إلى خراسان من فارس كما كان من قبل حتى ولي قتيبة بن مسلم خراسان. وقدمها يزيد بن المهلب فصالح المرزبان وفتح البحيرة ودهستان وصالح أهل جرجان على صلح سعيد.