إليه. وتوفي سنة اثنتي عشرة فاضطرّ إلى إعادة هذا، فلما بويع بعد أبيه أظهر من العدل والإحسان ما حمد منه ويقال إنه فرّق في العلماء ليلة الفطر التي بويع فيها مائة ألف دينار.
[وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر]
ثم توفي الظاهر أبو نصر محمد في منتصف رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة لتسعة أشهر ونصف من ولايته وكانت طريقته مستقيمة وأخباره في العدل مأثورة. ويقال إنه قبل وفاة كتب بخطّه إلى الوزير توقيعا يقرؤه على أهل الدولة فجاء الرسول به، وقال: أمير المؤمنين يقول ليس غرضنا أن يقال برز مرسوم وأنفذ مثال، ثم لا يتبيّن له أثر، بل أنتم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال، ثم تناولوا الكتاب وقرءوه فإذا فيه بعد البسملة أنه ليس إمهالنا إهمالا ولا إغضاؤنا إغفالا، ولكن لنبلوكم أيّكم أحسن عملا وقد غفرنا لكم ما سلف من إخراب البلاد، وتشريد الرعايا وتقبيح السنّة، وإظهار الباطل الجليّ في صورة الحق الخفيّ حيلة ومكيدة، وتسمية الاستئصال والاجتياح استيفاء واستدراكا للأغراض، انتهزتم فرصتها مختلسة من براثن ليث باسل وأنياب أسد مهيب، تنطقون بألفاظ مختلفة على معنى واحد، وأنتم أمناؤه وثقاته فتميلون رأيه إلى هواكم، ما طلتم بحقّه فيطيعكم وأنتم له عاصون ويوافقكم وأنتم له مخالفون، والآن فقد بدّل الله سبحانه بخوفكم أمنا وفقركم غنى وباطلكم حقا ورزقكم سلطانا يقيل العثرة ولا يؤاخذ إلا من أصرّ، ولا ينتقم إلّا ممن استمرّ، يأمركم بالعدل وهو يريده منكم، وينهاكم عن الجور وهو يكرهه يخاف الله فيخوّفكم مكره، ويرجو الله تعالى ويرغبكم في طاعته، فان سلكتم مسالك نواب خلفاء الله في أرضه وأمنائه على خلقه وإلّا هلكتم والسلام. ولما توفي بويع ابنه أبو جعفر المستنصر وسلك مسالك أبيه، إلّا أنه وجد الدولة اختلفت والأعمال قد انتقضت والجباية قد انتقصت أو عدمت، فضاقت عن أرزاق الجند وأعطياتهم فأسقط كثيرا من الجند، واختلفت الأحوال. وهو الّذي أعاد له محمد بن يوسف بن هود دعوة العبّاسية بالأندلس آخر دولة الموحّدين بالمغرب فولّاه عليها، وذلك سنة تسع وعشرين وستمائة كما يذكر في أخبارهم. ولآخر دولته ملك التتر بلاد الروم من يد غيّاث الدين كنجسرو آخر ملوك بني قليج أرسلان، ثم تخطّوها إلى بلاد أرمينية فملكوها. ثم استأمن إليهم غيّاث الدين فولّوه من قبلهم وفي طاعتهم كما يذكر في أخبارهم إن شاء الله تعالى انتهى.