افتتحها عنوة وأضرمها نارا واستلحم ازداجة ولحق رياستهم بالأندلس فكانوا بها، وكان منهم خزرون بن محمد من كبار أصحاب المنصور بن أبي عامر وابنه المظفّر وأجاز إلى المغرب وبقي ازداجة بعد ذلك على حال من الهضيمة والمذلّة وانتظموا في عداد المغارم من القبائل.
(وأما العجيسة) وهم من بطون البرانس من ولد عجيسة من برنس ومدلول هذا الاسم البطن، فإنّ البربر يسمّون البطن بلغتهم عدّس بالدال المشدّدة، فلما عرّبتها العرب قلبت دالها جيما مخفّفة، وكان لهم بين البربر كثرة وظهور، وكانوا مجاورين في بطونهم لصنهاجة، وبقاياهم لهذا العهد في ضواحي تونس والجبال المطلّة على المسيلة، وكانت منهم يسكنون جبل القلعة. وكان لهم في فتنة أبي يزيد أثر. ولما هزمهم المنصور لجأ إليهم واعتصم بقلعة كتامة من حصونهم حتى اقتحم عليه. ثم بادر حمّاد بن بلكّين من بعد ذلك مكانا لبناء مدينة فاختطها بينهم. ونزلها ووسّع خطتها واستبحر عمرانها. وكانت حاضرة لملك آل حماد فأخلفت هذه المدينة من جدّة عجيسة لمّا تمرّست بهم، وخضدت من شوكتهم وراموا كيد القلعة مرارا، وأجلبوا على ملوكها بالأعياص منهم فاستلحمهم السيف، ثم هلكوا وهلكت القلعة من بعدهم وورثت مواطنهم بذلك الجبل عياض من أفاريق العرب الهلاليّين وسمّي الجبل بهم، وفي القبائل بالمغرب كثير من عجيسة هؤلاء مفترقون فيهم والله أعلم.
(الخبر عن أوربة من بطون البرانس وما كان لهم من الردّة والثورة وما صار لهم من الدعاء لإدريس الأكبر)
كانت البطون التي فيها الكثرة والغلب من هؤلاء البربر البتر كلهم لعهد الفتح أوربة وهوّارة وصنهاجة من البرانس، ونفوسة وزناتة ومطغرة ونفزاوة من البتر، وكان التقدّم لعهد الفتح لأوربة هؤلاء بما كانوا أكثر عددا وأشدّ بأسا وقوة، وهم من ولد أورب بن برنس، وهم بطون كثيرة، فمنهم بجاية ونفاسة ونعجة وزهكوجة ومزياتة ورغيوتة وديقوسة. وكان أميرهم بين يدي الفتح ستردير بن رومي بن بارزت بن بزريات [١]
[١] وفي نسخة ثانية: الفتح سكرديد بن زوغي بن بارزت بن برزيات.