الدين لمعسكره قريبا منهم ليشغلهم عن البلد فخف قتالهم عن أهل البلد ثم فرغ ملك إنكلطيرة من جزيرة قبرص وملكها وعزل صاحبها وبلغ إلى عكا في خمس وعشرين مركبا مشحونة بالرجال والأموال ووصل منتصف رجب ولقي في طريقه مركبا جهز من بيروت إلى عكا وفيه سبعمائة مقاتل فقاتله فلما يئس المسلمون الذين به من الخلاص نزل مقدّمهم وهو يعقوب الحلي غلام ابن شفنين [١] فحرق المركب خوفا من أن يظفر الإفرنج برجاله وذخائره فغرق ثم عمل الإفرنج ذبابات وكباشا وزحفوا بها فأحرق المسلمون بعضها وأخذوا بعضها فرجع الإفرنج إلى نصب التلال من التراب يقاتلون من ورائها فامتنعت من نفوذ الحيلة فيها وضاق حال أهل عكا.
[استيلاء الإفرنج على عكا]
ولما جهد المسلمين بعكا الحصار خرج الأمير سيف الدين علي بن أحمد الهكاري المشطوب من أكبر أمرائها إلى ملك إفرنسة يستأمنه لأهل عكا فلم يجبه وضعفت نفوس أهل البلد لذلك ووهنوا ثم هرب من الأمراء عز الدين أرسل الأسدي وابن عز الدين جاولي وسنقر الأرجاني في جماعة منهم ولحقوا بالعساكر فازداد أهل عكا وهنا وبعث الإفرنج إلى صلاح الدين في تسليمها فأجاب على أن يؤمنوا أهل البلد ويطلق لهم من أسراهم بعدد أهل البلد ويعطيهم الصليب الّذي أخذه من القدس فلم يرضوا بما فعل إلى المسلمين بعكا أن يخرجوا بجمعهم ويتركوا البلد ويسيروا مع البحر ويحملوا على العدوّ حملة مستميتين ويجيء المسلمون من وراء العدوّ فعساهم يخلصون بذلك فلما أصبحوا زحف الإفرنج إلى البلد ورفع المسلمون أعلامهم وأرسل المشطوب من البلد إلى الإفرنج فصالحهم على الأمان على أن يعطيهم مائتي ألف دينار ويطلق لهم خمسمائة أسير ويعيد لهم الصليب ويعطي للمركيش صاحب صور أربعة عشر ألف دينار فأجابوا إلى ذلك وضربوا المدّة للمال والأسرى شهرين وسلموا لهم البلد فلما ملكوها غدروا بهم وحبسوهم رهنا بزعمهم في المال والأسرى والصليب ولم يكن لصلاح الدين ذخيرة من المال لكثرة إنفاقه في المصالح فشرع في جمع المال حتى اجتمع مائة ألف دينار وبعث نائبا يستحلفهم على أن يضمن الفداوية من الخلف والضمان خوفا من غدر أصحابه وقال ملوكهم إذا سلمتم المال والأسرى والصليب تعطونا رهنا في بقية المال ونطلق أصحابكم وطلب صلاح الدين أن يضمن الفداوية الرهن ويحلفوا فامتنعوا أيضا وقالوا
[١] هو يعقوب الحلبي مقدم الجندارية، يعرف بغلام ابن شفتين.