عرّج عضد الدولة إلى ولاية حسنويه الكردي فافتتح نهاوند والدّينور وسرماج وأخذ ما فيها من ذخائره، وكانت جليلة المقدار وملك معها عدّة من قلاع حسنويه ووفد عليه أولاد حسنويه فقبض على عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان، واصطنع من بينهم أبا النجم بدر بن حسنويه وخلع عليه وولّاه على الأكراد وقوّاه بالرجال فضبط ملك النواحي وكفّ عادية الأكراد بها. واستقام أمره فحسده أخواه، وأظهر عاصم وعبد الملك منهم العصيان، وجمعا الأكراد المخالفين وبعث عضد الدولة العساكر فأوقعوا بعاصم وهزموه وجاءوا به أسيرا إلى همذان، ولم يوقف له بعد ذلك على خبر، وذلك سنة سبعين وثلاثمائة وقتل جميع أولاد حسنويه وأقرّ بدرا على عمله.
[(حروب بدر بن حسنويه وعساكر مشرف الدولة)]
ولما توفي عضد الدولة وملك ابنه صمصام الدولة ثار عليه أخوه مشرف الدولة بفارس، ثم ملك بغداد. وكان فخر الدولة بن ركن الدولة قد عاد من خراسان إلى مملكة أصفهان والريّ بعد وفاة أخيه مؤيد الدولة، ووقع بينه وبين مشرف الدولة فكان مشرف الدولة يحقد عليه. فلما استقرّ ببغداد وانتزعها من يد صمصام الدولة، وكان قائده قراتكين الجهشياري مدلا عليه متحكّما في دولته، وكان ذلك يثقل على مشرف الدولة، جهّزه في العساكر لقتال بدر بن حسنويه يروم إحدى الراحتين، فسار إلى بدر سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ولقيه على وادي قرميسين. وانهزم بدر حتى توارى ولم يتلقوه ونزلوا في خيامه، ثم كرّ بدر فأعجلهم عن الركوب، وفتك فيهم واحتوى على ما معهم. ونجا قراتكين في فلّ إلى جسر النهروان فلحق به المنهزمون، ودخل بغداد واستولى بدر على أعمال الجيل وقويت شوكته واستفحل أمره. ولم يزل ظاهرا عزيزا وقلّد من ديوان الخلافة سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة أيام السلطان بهاء الدولة ولقّب ناصر الدولة. وكان كثير الصدقات بالحرمين، وكثير الطعام للعرب بالحجاز لخفارة الحاج، وكفّ أصحابه من الأكراد عن إفساد السابلة فعظم محله وسار ذكره.