للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن أبي مدين كما نذكره في أخباره، فهلك يوسف بن يعقوب دون ما أمل من ذلك، وأقام الرخامي بتلمسان وبها كان مهلكه. واستقل يعقوب بن عمر بأعباء خطّته واضطلع بها، وقوّض إليه السلطان في الإبرام والنقض، فحوّل المراتب بنظره وأجرى الأمور على غرضه. وكان أوّل ما أتاه صرعته لمرجان مصطنعه ملأ صدر السلطان عليه، وحذّره مغبّته فتقبّض عليه وألقي في البحر فالتقمه الحوت، فخلا وجه السلطان لابن عمر وتفرّد بالعقد والحلّ إلى أن استولى السلطان أبو البقاء على الحضرة وكان من أمره ما يذكر إن شاء الله تعالى.

[(الخبر عن ثورة ابن الأمير [١] بقسنطينة وبيعة السلطان أبي عصيدة ثم فتح السلطان أبي البقاء خالد لها وقتله)]

كان يوسف بن الأمير الهمدانيّ بعد أن قتله بطنجة أبناء أبي يحيى من بني مرين كما يأتي في أخبارهم، انتقل بنوه إلى تونس أيام المستنصر ورعى لهم السلطان وسيلة قيامهم بالدعوة الحفصية أيام أبي علي بن خلاص بسبتة وبعدها إلى أن غلبهم عليها العز في كما نذكره في أخباره فلقّاهم مبرّة وتكريما، ونزلوا من الحضرة خير نزل تحت جراية ونعمة وعناية. وكان كبيرهم متحمّقا متعاظما فربما لقي في الدولة لذلك عسفا إلا أن الإبقاء عليهم كان مانعا من اضطهادهم. ونشأ بنوهم في ظل ذلك النعيم.

ثم هلك السلطان واضطربت الأمور وضرب الدهر ضرباته، ولحق عليّ منهم بالثغر الغربي، وتأكّدت له مع ابن أبي حي لحمة نسب وذمة صهر ووشجت بينهما عروقها. فلما استقل ابن أبي حي بحجابة الأمير أبي زكريا لم يأل جهدا في مشاركة علي بن الأمير وترقيته المنازل إلى أن ولّاه ثغر قسنطينة مستقلا بها وحاجبا للسلطان أبي بكر بن الأمير أبي زكريا، وأنزله معه فقام بحجابته وأظهر فيها غناءه وحزمه، حتى إذا سخط السلطان ابن أبي حي وصرفه عن حجابته تنكر أبو الحسن بن الأمير وخشي بوادر السلطان فحوّل الدعوة إلى صاحب الحضرة وطيّر إليه بالبيعة، واستدعى المدد والنائب فوصله رئيس الموحدين والدولة أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد


[١] وفي نسخة ثانية: ابن الأمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>