صمد إليه قبل وصوله من تخوم بلاده، والتقى الجمعان بايسلى من بسائط وجدة، فتزاحف القوم وأبلوا. وكانوا ملحمة عظيمة، هلك فيها عبد الحق بن محمد بن عبد الحق بيد إبراهيم بن هشام من بني عبد الواد. ثم انكشف بنو عبد الواد، وهلك يغمراسن بن تاشفين من أكابر مشيختهم، ونجا يغمراسن بن زيّان إلى تلمسان.
وانكفأ الأمير أبو يحيى إلى معسكره للأخذ بمخنق فاس، فسقط في أيدي أهلها، ولم يجدوا وليجة من دون طاعته، فسألوا الأمان، وبذله لهم على غرم ما تلف له من المال بداره يوم الثورة، وقدره مائة ألف دينار، فتحمّلوها. وأمكنوه من قياد البلد، فدخلها في جمادى من سنة ثمان وأربعين وستمائة. وطالبهم بالمال، فعجزوا ونقضوا شرطه، فحقّ عليهم القول. وتقبّض على القاضي أبي عبد الرحمن وابن أبي طاطو وابنه، وابن حشار وأخيه المتولّين كبر الفعلة فقتلهم، ورفع على الشرفات رءوسهم.
وأخذ الباقين بغرم المال طوعا أو كرها، فكان ذلك مما عبّد رعية فاس وقادهم لأحكام بني مرين. وضرب الرهب على قلوبهم لهذا العهد، فخشعت منهم الأصوات وانقادت الهمم، ولم يحدّثوا بعدها أنفسهم بغمس يد في فتنة. والله مالك الأرض ومن عليها.
[الخبر عن تغلب الأمير أبي يحيى على مدينة سلا وارتجاعها من يده وهزيمة المرتضى بعدها]
لما كمل للأمير أبي يحيى فتح مدينة فاس، واستوسق أمر بني مرين بها، رجع إلى ما كان فيه من منازلة بلاد فازاز فافتتحها. ودوّخ أوطان زناتة، واقتضى مغارمهم وحسم علل الثائرين فيها. ثم تخطّى إلى مدينة سلا ورباط الفتح سنة تسع وأربعين وستمائة، فملكها وتاخم الموحّدين بثغرها. واستعمل عليها ابن أخيه يعقوب بن عبد الله ابن عبد الحق، وعقد له على ذلك الثغر، وضمّ إليه الأعمال. وبلغ الخبر بذلك إلى المرتضى، فأهمّه الشأن. وأحضر الملأ من الموحّدين وفاوضهم، واعتزم على حرب بني مرين. وسرّح العساكر سنة خمسين وستمائة، فأحاطت بسلا، فافتتحوها وعادت إلى طاعة المرتضى. وعقد عليها لأبي عبد الله بن أبي يعلو من مشيخة الموحدين. وكان المرتضى قد صمد بنفسه سنة تسع وأربعين وستمائة إلى محاربة بني