للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلّما تكون ملكة الرّفق في من يكون يقظا شديد الذّكاء من النّاس وأكثر ما يوجد الرّفق في الغفّل والمتغفّل وأقلّ ما يكون في اليقظ لأنّه يكلّف الرّعيّة فوق طاقتهم لنفوذ نظره فيما وراء مداركهم واطّلاعه على عواقب الأمور في مبادئها بالمعيّة فيهلكون لذلك قال صلّى الله عليه وسلّم «سيروا على سير أضعفكم» ومن هذا الباب اشترط الشّارع في الحاكم قلّة الإفراط في الذّكاء، ومأخذه من قصّة زياد ابن أبي سفيان لمّا عزله عمر عن العراق وقال له: «لم عزلتني يا أمير المؤمنين ألعجز أم لخيانة» فقال عمر: «لم أعزلك لواحدة منهما ولكنّي كرهت أن أحمل فضل عقلك عن النّاس» فأخذ من هذا أنّ الحاكم لا يكون مفرط الذّكاء والكيس مثل زياد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص لما يتبع ذلك من التّعسّف وسوء الملكة وحمل الوجود على ما ليس في طبعه كما يأتي في آخر هذا الكتاب والله خير المالكين وتقرّر من هذا أنّ الكيس والذّكاء عيب في صاحب السّياسة لأنّه إفراط في الفكر كما أنّ البلادة إفراط في الجمود والطّرفان مذمومان من كلّ صفة إنسانيّة والمحمود هو التّوسّط كما في الكرم مع التّبذير والبخل وكما في الشّجاعة مع الهوج والجبن وغير ذلك من الصّفات الإنسانيّة ولهذا يوصف الشّديد الكيس بصفات الشّيطان فيقال شيطان ومتشيطن وأمثال ذلك والله يخلق ما يشاء وهو العليم القدير.

[الفصل الخامس والعشرون في معنى الخلافة والإمامة]

لمّا كانت حقيقة الملك أنّه الاجتماع الضّروريّ للبشر ومقتضاه التّغلّب والقهر اللّذان هما من آثار الغضب والحيوانيّة كانت أحكام صاحبه في الغالب جائزة عن الحقّ مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم لحملة إيّاهم في الغالب على ما ليس في طوقهم من أغراضه وشهواته ويختلف ذلك باختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>