للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثاني والخمسون في أن أهل الأمصار على الإطلاق قاصرون في تحصيل هذه الملكة اللسانية التي تستفاد بالتعليم ومن كان منهم أبعد عن اللسان العربيّ كان حصولها له أصعب وأعسر

والسّبب في ذلك ما يسبق إلى المتعلّم من حصول ملكة منافية للملكة المطلوبة بما سبق إليه من اللّسان الحضريّ الّذي أفادته العجمة حتّى نزل بها اللّسان عن ملكته الأولى إلى ملكة أخرى هي لغة الحضر لهذا العهد. ولهذا نجد المعلّمين يذهبون إلى المسابقة بتعليم اللّسان للولدان. وتعتقد النحاة أنّ هذه المسابقة بصناعتهم وليس كذلك وإنّما هي بتعليم هذه الملكة بمخالطة اللّسان وكلام العرب. نعم صناعة النّحو أقرب إلى مخالطة ذلك وما كان من لغات أهل الأمصار أعرق في العجمة وأبعد عن لسان مضر قصّر بصاحبه عن تعلّم اللّغة المضريّة وحصول ملكتها لتمكّن المنافاة [١] حينئذ. واعتبر ذلك في أهل الأمصار.

فأهل إفريقية والمغرب لمّا كانوا أعرق في العجمة وأبعد عن اللّسان الأوّل كان لهم قصور تام في تحصيل ملكته بالتّعليم. ولقد نقل ابن الرّفيق أنّ بعض كتّاب القيروان كتب إلى صاحب له: يا أخي ومن لا عدمت فقده أعلمني أبو سعيد كلاما أنّك كنت ذكرت أنّك تكون مع الّذين تأتي وعاقنا اليوم فلم يتهيّأ لنا الخروج. وأمّا أهل المنزل الكلاب [٢] من أمر الشّين فقد كذّبوا هذا باطلا ليس من هذا حرفا واحدا. وكتابي إليك وأنا مشتاق إليك إن شاء الله. وهكذا كانت ملكتهم في اللّسان المضريّ شبيه بما ذكرنا. وكذلك أشعارهم كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطّبقة ولم تزل كذلك لهذا العهد ولهذا ما كان بإفريقيّة من


[١] وفي النسخة الباريسية: المكافأة.
[٢] كالب الرجل كلابا: أي عاداه جهارا (قاموس) .

<<  <  ج: ص:  >  >>