ذلك ملكة أخرى وليست هي ملكة اللّسان المطلوبة. ومن عرف أحكام تلك الملكة من القوانين المسطّرة في الكتب فليس من تحصيل الملكة في شيء. إنّما حصّل أحكامها كما عرفت. وإنّما تحصل هذه الملكة بالممارسة والاعتياد والتّكرّر لكلام العرب. فإن عرض لك ما تسمعه من أنّ سيبويه والفارسيّ والزّمخشريّ وأمثالهم من فرسان الكلام كانوا أعجاما مع حصول هذه الملكة لهم فاعلم أنّ أولئك القوم الّذين تسمع عنهم إنّما كانوا عجما في نسبهم فقط. وأمّا المربى والنّشأة فكانت بين أهل هذه الملكة من العرب ومن تعلّمها منهم فاستولوا بذلك من الكلام على غاية لا شيء وراءها وكأنّهم في أوّل نشأتهم من العرب الّذين نشئوا في أجيالهم حتّى أدركوا كنه اللّغة وصاروا من أهلها فهم وإن كانوا عجما في النّسب فليسوا بأعجام في اللّغة والكلام لأنّهم أدركوا الملّة في عنفوانها واللّغة في شبابها ولم تذهب آثار الملكة ولا من أهل الأمصار ثمّ عكفوا على الممارسة والمدارسة لكلام العرب حتّى استولوا على غايته. واليوم الواحد من العجم إذا خالط أهل اللّسان العربيّ بالأمصار فأوّل ما يجد تلك الملكة المقصودة من اللّسان العربيّ ممتحية الآثار. ويجد ملكتهم الخاصّة بهم ملكة أخرى مخالفة لملكة اللّسان العربيّ. ثمّ إذا فرضنا أنّه أقبل على الممارسة لكلام العرب وأشعارهم بالمدارسة والحفظ يستفيد تحصيلها فقلّ أن يحصل له ما قدّمناه من أنّ الملكة إذا سبقتها ملكة أخرى في المحلّ فلا تحصل إلّا ناقصة مخدوشة. وإن فرضنا أعجميّا في النّسب سلم من مخالطة اللّسان العجميّ بالكلّيّة وذهب إلى تعلّم هذه الملكة بالحفظ والمدارسة فربّما يحصل له ذلك لكنّه من النّدور بحيث لا يخفى عليك بما تقرّر. وربّما يدّعي كثير ممّن ينظر في هذه القوانين البيانيّة حصول هذا الذّوق له بها وهو غلط أو مغالطة وإنّما حصلت له الملكة إن حصلت في تلك القوانين البيانيّة وليست من ملكة العبارة في شيء. والله يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم.