للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معارة. وربّما أوتيها الصّالح ولا يملك إيتاءها فلا تتمّ في يد غيره. ومن هذا الباب يكون عملها سحريّا فقد تبيّن أنّها إنّما تقع بتأثيرات النّفوس وخوارق العادة إمّا معجزة أو كرامة أو سحرا. ولهذا كان كلام الحكماء كلّهم فيها إلغازا لا يظفر بحقيقته إلّا من خاض لجة من علم السّحر واطّلع على تصرّفات النّفس في عالم الطّبيعة. وأمور خرق العادة غير منحصرة ولا يقصد أحد إلى تحصيلها. والله بما يعملون محيط. وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصّناعة وانتحالها هو كما قلناه العجز عن الطّرق الطّبيعيّة للمعاش وابتغاؤه من غير وجوهه الطّبيعيّة كالفلاحة والتّجارة والصّناعة فيستصعب العاجز ابتغاءه من هذه ويروم الحصول على الكثير من المال دفعة بوجوه غير طبيعيّة من الكيمياء وغيرها. وأكثر من يعنى بذلك الفقراء من أهل العمران حتّى في الحكماء المتكلّمين في إنكارها واستحالتها. فإنّ ابن سينا القائل باستحالتها كان علية الوزراء فكان من أهل الغنى والثّروة والفارابيّ القائل بإمكانها كان من أهل الفقر الّذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش وأسبابه. وهذه تهمة ظاهرة في أنظار النّفوس المولعة بطرقها وانتحالها. والله الرّازق ذو القوّة المتين لا ربّ سواه.

[الفصل الرابع والثلاثون في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل]

اعلم أنّه ممّا أضرّ بالنّاس في تحصيل العلم والوقوف على غاياته كثرة التّآليف واختلاف الاصطلاحات في التّعاليم وتعدّد طرقها ثمّ مطالبة المتعلّم والتّلميذ باستحضار ذلك. وحينئذ يسلّم له منصب التّحصيل فيحتاج المتعلّم إلى حفظها كلّها أو أكثرها ومراعاة طرقها. ولا يفي عمره بما كتب في صناعة واحدة إذا تجرّد لها فيقع القصور ولا بدّ دون رتبة التّحصيل. ويمثّل ذلك من شأن الفقه في

<<  <  ج: ص:  >  >>