على دين عبد الله بن الثامر، وأقام أهل نجران على دين عيسى صلوات الله عليه، حتى دخلت عليهم في دينهم الأحداث. ودعاهم ذو نواس إلى دين اليهودية، فأبوا.
فسار إليهم في أهل اليمن وعرض عليهم القتل فلم يزدهم إلّا جماحا، فخدّد لهم الأخاديد، وقتل وحرق حتى أهلك منهم فيما قال ابن إسحاق عشرين ألفا أو يزيدون، وأفلت منهم رجل من سبا يقال له دوس ذو ثعلبان فسلك الرمل على فرسه وأعجزهم.
[ملك الحبشة اليمن]
قال هشام بن محمد الكلبيّ في سبب غزو ذي نواس أهل نجران أنّ يهوديا كان بنجران فعدا أهلها على ابنين له فقتلوهما ظلما، فرفع أمره إلى ذي نواس، وتوسل له باليهودية واستنصره على أهل نجران وهم نصارى، فحمي له ولدينه وغزاهم. ولما أفلت دوس ذو ثعلبان فقدم على قيصر صاحب الروم يستنصره على ذي نواس، وأعلمه بما ركب منهم وأراه الإنجيل قد احترق بعضه بالنار، فكتب له إلى النجاشيّ يأمره بنصره، وطلب بثأره، وبعث معه النجاشيّ سبعين ألفا من الحبشة. وقيل إنّ صريخ دوس كان أولا للنجاشيّ، وإنه اعتذر اليه بقلّة السفن لركوب البحر، وكتب إلى قيصر وبعث إليه بالإنجيل المحرق، فجاءته السفن وأجاز فيها العساكر من الحبشة، وأمّر عليهم أرباطا رجلا منهم، وعهد إليه بقتلهم وسبيهم وخراب بلادهم فخرج أرباط لذلك ومعه أبرهة الأشرم فركبوا البحر، ونزلوا ساحل اليمن.
وجمع ذو نواس حمير ومن أطاعه من أهل اليمن على افتراق واختلاف في الأهواء، فلم يكن كبير حرب وانهزموا. فلمّا رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه بفرسه إلى البحر، ثم ضربه فدخل فيه وخاض ضحضاح البحر، ثم أفضى به إلى غمرة فأقحمه فيه، فكان آخر العهد به، ووطئ أرباط اليمن بالحبشة، وبعث إلى النجاشيّ بثلث السبي كما عهد له، ثم أقام بها فضبطها وأذل رجالات حمير، وهدم حصون الملك بها مثل سلجيق وسون وغمدان، وقال ذو يزن يرثي حمير وقصور الملك باليمن:
هوّنك ليس يردّ الدّمع ما فاتا ... لا تهلكن أسفا في إثر من ماتا
أبعد سون فلا عين ولا أثر ... وبعد سلجيق يبني الناس أبياتا