للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالطاعة أو يؤدّي إليه خراجا أهـ.

وأمّا الخبر عن ذي نواس وما بعده فاتفق أهل الأخبار كلهم أنّ ذا نواس هو ابن تبان أسعد واسمه زرعة، وأنه لما تغلب على ملك آبائه التبابعة، تسمى يوسف وتعصب لدين اليهودية، وحمل عليه قبائل اليمن، وأراد أهل نجران عليها، وكانوا من بين العرب يدينون بالنصرانية ولهم فضل في الدين واستقامة. وكان رئيسهم في ذلك يسمّى عبد الله بن الثامر، وكان هذا الدين وقع اليهم قديما من بقية أصحاب الحواريين من رجل سقط لهم من ملك التبعيّة يقال له ميمون نزل فيهم، وكان مجتهدا في العبادة، مجاب الدعوة، وظهرت على يده الكرامات في شفاء المرضى، وكان يطلب الخفاء عن الناس جهده، وتبعه على دينه رجل من أهل الشام اسمه صالح، وخرجا فارّين بأنفسهما، فلما وطئا بلاد العرب اختطفتهما سيارة فباعوهما بنجران، وهم يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم، ويعلقون عليها في الأعياد من حليهم وثيابهم، ويعكفون عليها أياما. وافترقا في الدير على رجلين من أهل نجران، وأعجب سيد ميمون صلاته ودينه وسأله عن شأنه، فدعاه إلى الدين وعبادة الله، وأنّ عبادة النخلة باطل، وأنه لو دعا معبوده عليها هلكت. فقال له سيده إن فعلت دخلنا في دينك. فدعا ميمون فأرسل الله ريحا فجعفت النخلة من أصلها، وأطبق أهل نجران على أتباع دين عيسى صلوات الله عليه. ومن رواية ابن إسحاق أنّ ميمون نزل بقرية من قرى نجران، وكان يمرّ به غلمان أهل نجران، يتعلمون من ساحر كان بتلك القرية، وفي أولئك الغلمان عبد الله بن الثامر، فكان يجلس إلى ميمون، ويسمع منه فآمن به واتبعه، وحصل على معرفة اسم الله الأعظم، فكان مجاب الدعوة لذلك، واتبعه الناس على دينه، وأنكر عليه ملك نجران وهمّ بقتله. فقال له: لن تطيق حتى تؤمن وتوحد فآمن ثم قتله، فهلك ذلك الملك مكانه [١] . واجتمع أهل نجران


[١] العبارة هنا غير واضحة تماما وهي أوضح عند الطبري في كتابه تاريخ الملوك والأمم الجزء ٢ ص ١٠٥:
« ... لم يبق أحد بنجران به ضر إلا أتاه فاتبعه على أمره ودعا له فعوفي حتى رفع شأنه إلى ملك نجران فدعاه فقال له: أفسدت عليّ أهل قريتي وخالفت ديني ودين آبائي لأمثّلن بك، قال: لا تقدر على ذلك.
فجعل يرسل به إلى الجبل الطويل فيطرح عن رأسه فيقع على الأرض ليس به بأس فلما غلبه قال عبد الله بن الثامر: إنك والله لا تقدر على قتلي حتى توحد الله فتؤمن بما آمنت به فإنك ان فعلت ذلك سلطت عليّ فقتلتني، فوحد الله ذلك الملك وشهد بشهادة عبد الله بن الثامر ثم ضربه بعصا في يده فشجه شجة غير كبيرة فقتله، فهلك الملك مكانه ... »

<<  <  ج: ص:  >  >>