في صفر سنة اثنتين وتسعين كما فصل ذلك من قبل وأيتمش في أثناء ذلك كله محبوس بالقلعة ثم زحف الجوباني في جمادى الأخيرة وخلص أيتمش من اعتقاله وفتق مماليك السلطان السجن الّذي كانوا فيه بقلعة دمشق وخرجوا واعصوصبوا على أيتمش قبل مجيء الجوباني وبعث إليه بالخبر وبعث الجوباني إلى السلطان بمثل ذلك فتقدّم إليه السلطان بالمقام بالقلعة حتى يفرغ من أمر عدوّه ثم كان بعد ذلك واقعة الجوباني مع منطاش والعرب ومقتله وولاية الناصري على دمشق مكانه ثم افترق العرب وفارقهم منطاش إلى التركمان وانتظمت ممالك الشام في ملكة السلطان واستوسق ملكه واستفحلت دولته فاستدعي الأمير أيتمش من قلعة دمشق وسار لاستدعائه قنوباي من مماليك السلطان ثامن ربيع الأوّل سنة ثلاث وتسعين ووصل إلى مصر رابع جمادى الأولى من السنة ووصل في ركابه حاجب الحجاب بدمشق ومعه الأمراء الذين حبسوا بالشام منهم جنتمر نائب دمشق وابنه وابن أخته وأستاذ داره طنبقا ودمرداش اليوسفي نائب طرابلس والطنبقا الحلي والقاضي أحمد بن القريشي وفتح الدين بن الرشيد وكاتب السرّ في ست وثلاثين نفرا من الأمراء وغيرهم ولما وصل أيتمش قابله السلطان بالتكرمة والرحب وعرض الحاجب المساجين الّذي معه ووبخ السلطان بعضهم ثم حبسوا بالقلعة حتى نفذ فيهم قضاء الله وقتلوا مع غيرهم ممن أوجبت السياسة قتلهم والله تعالى مالك الأمور لا رب سواه انتهى.
[هدية إفريقية]
كان السلطان قد حصل بينه وبين سلطان إفريقية أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن أبي حفص الموحدي مودّة والتئام وكانت كثيرا ما تجدّدها الهدايا من الجانبين ونذكرها إن شاء الله تعالى ولما بلغ الخبر إلى تونس بما كان من نكبة السلطان وما كان أمره امتعض له هذا السلطان بتونس وتفجع لشأنه وأقام يستطلع خبره ويستكشف من الجار التي تحضر إلى مصر من أهل تونس أنباءه حتى وقف على الجليّ من أمره وما كيف الله من أسباب السعادة في خلاصه وعوده إلى كرسيه فملأ السرور جوانحه وأوفد عليه بالتهنئة رسوله بهدية من القربات على سبيل الوداد مع خالصة من كبراء الموحدين محمد بن أبي هلال فوصل في العشر الأواخر من رمضان سنة اثنتين وتسعين فتلقاه السلطان بالكرامة وركب محمود استاذ داره ليتلقاه عند نزوله من البحر بساحل بولاق وأنزل ببيت طشتمر بالرميلة قبالة الإصطبل وأجريت عليه النفقة بما لم يجر لأمثاله ورغب من السلطان في الحج فحج وأصحب هدية