ذراريهم ونساؤهم، ولم ينج منهم إلّا القليل. ثم استأمنوا فأمّنوا ونقلوا من تلك الجبال، وأنزل عضد الدولة في تلك البلاد أكرة وفلاحين، ثم شملوا الأرض بالعمل وتتبّع العابد أثر تلك الطوائف حتى بدّد شملهم، ومحا ما كان من الفساد منهم.
[(عزل أبي الفضل ووزارة ابن بقية)]
كان أبو الفضل العبّاس بن الحسين وزيرا لمعزّ الدولة ولابنه بختيار من بعده، وكان سيّئ التصرّف وأحرق في بعض أيامه الكرخ ببغداد فاحترق فيه عشرون ألف إنسان وثلاثمائة دكان وثلاثة وثلاثون مسجدا، ومن الأموال ما لا يحصى، وكان الكرخ معروفا بسكنى الشيعة، وكان هو يزعم أنه يتعصّب لأهل السنّة، وكان كثير الظلم للرعيّة غصّابا للأموال مفرّطا في أمر دينه، وكان محمد بن بقية وضيعا في نفسه من الفلّاحين في أوانا من ضياع بغداد. واتصل ببختيار وكان يتولى الطعام بين يديه، ويتولى الطبخ ومنديل الخوان على كتفه، فلما ضاقت الأحوال على الوزير أبي الفضل وكثرت مطالبته بالأرزاق والنفقات عزله بختيار وصادره وسائر أصحابه على أموال عظيمة أخذت منهم، واستوزر محمد بن بقيّة فاستقامت أموره ونمت أحواله بتلك الأموال، فلما نفدت عاد إلى الظلم، ففسدت الأحوال وخرّبت تلك النواحي، وظهر العيّارون وتزايد شرّهم وفسادهم. وعظم الاختلاف بين بختيار والأتراك، ومقدّمهم يومئذ سبكتكين، وتزيادت نفرته. ثم سعى ابن بقيّة في إصلاحه وجاء به إلى بختيار ومعه الأتراك فصالحه بختيار، ثم قام غلام ديلميّ فرمى وتينه بحربة في يده فأثبته، فصاح سبكتكين بغلمانه فأخذوه يظنّ أنه وضع على قتله، وقرّره فلم يعترف، فبعث إلى بختيار فأمر به فقتل، فعظم ارتيابه وأنه إنما قتل حذرا من إفشاء سرّه، فعظمت الفتنة، وقصد الديلم قتل سبكتكين، ثم أرضاهم بختيار بالمال فسكنوا.