بحي الزواودة أمراء البدو بعمل الموحدين. ونزل منهم على عطية بن سليمان بن سبّاع كما قدّمناه، واستولى على بجاية سنة أربع وثمانين وستمائة بعد خطوب ذكرناها، واقتطعها عن ملك عمه صاحب الدولة بتونس أبي حفص، ووفّى لداود بن عطاف وأقطعه بوطن بجاية عملا كبيرا أفرده لجبايته، كان فيه ايقداران بالخميس من وادي بجاية. واشتغل الأمير أبو زكريا بمملكة بونة وقسنطينة وبجاية والجزائر والزاب وما وراءها وكان هذا الصهر وصلة له مع عثمان بن يغمراسن وبنيه.
(ولما نازل) يوسف بن يعقوب تلمسان سنة ثمان وتسعين وستمائة، وبعث الأمير أبو زكريا المدد من جيوشه إلى عثمان بن يغمراسن، وبلغ الخبر بذلك إلى يوسف بن يعقوب، فبعث أخاه أبا يحيى في العساكر لاعتراضهم، والتقوا بجبل الزاب، فكانت الدبرة على عسكر الموحّدين واستلحموا هناك. وتسمّى المعركة لهذا العهد بمرسى الرءوس. واستحكمت من أجل ذلك صاغية الخليفة بتونس إلى بني مرين، وأوفد عليهم مشيخة من الموحدين يدعوهم إلى حصار بجاية، وبعث معهم الهدية الفاخرة وبلغ خبرهم إلى عثمان بن يغمراسن من وراء جدرانه فتنكّر لها وأسقط ذكر الخليفة من منابره، ومحاه من عمله، فنسي لهذا العهد. والله مالك الأمر سبحانه.
[(الخبر عن مهلك يغمراسن بن زيان وولاية ابنه عثمان وما كان في دولته من الاحداث)]
كان السلطان يغمراسن قد خرج من تلمسان سنة إحدى وثمانين وستمائة واستعمل عليها ابنه عثمان، وتوغّل في بلاد مغراوة وملك ضواحيهم. ونزل له ثابت بن منديل عن مدينة تنس، فتناولها من يده. ثم بلغه الخبر بإقبال ابنه أبي عامر برهوم من تونس بابنة السلطان أبي إسحاق عرس ابنه عثمان، فتلوّم هنالك إلى أن لحقه بظاهر مليانة، فارتحل إلى تلمسان وأصابه الوجع في طريقه. وعند ما أحل سريره اشتدّ به وجعه فهلك هنالك آخر ذي القعدة من سنته، والبقاء للَّه وحده. فحمله ابنه أبو عامر على أعواد وواراه في خدر موريا لمرضه إلى أن تجاوز بلاد مغراوة إلى سيك. ثم أغذّ السير إلى تلمسان، فلقيه أخوه عثمان بن يغمراسن ولي عهد أبيه في قومه، فبايعه الناس وأعطوه صفقة أيمانهم. ثم دخل تلمسان فبايعه العامّة والخاصة، وخاطب