للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنوسي بعضها ويبقى منها شهرة فتحمل على النّصرة لذوي نسبه بالأمر المشهور منه فرارا من الغضاضة الّتي يتوهّمها في نفسه من ظلم من هو منسوب إليه بوجه ومن هذا الباب الولاء والحلف إذ نعرة كلّ أحد على أهل ولائه وحلفه للألفة الّتي تلحق النّفس من اهتضام جارها أو قريبها أو نسيبها بوجه من وجوه النّسب وذلك لأجل اللّحمة الحاصلة من الولاء مثل لحمة النّسب أو قريبا منها ومن هذا تفهم معنى قوله صلّى الله عليه وسلّم «تعلّموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم» بمعنى أنّ النّسب إنّما فائدته هذا الالتحام الّذي يوجب صلة الأرحام حتّى تقع المناصرة والنّعرة وما فوق ذلك مستغنى عنه إذ النّسب أمر وهميّ لا حقيقة له ونفعه إنّما هو في هذه الوصلة والالتحام فإذا كان ظاهرا واضحا حمل النّفوس على طبيعتها من النّعرة كما قلناه وإذا كان إنّما يستفاد من الخبر البعيد ضعف فيه الوهم وذهبت فائدته وصار الشّغل به مجّانا [١] ومن أعمال اللهو المنهيّ عنه ومن هذا الاعتبار معنى قولهم النّسب علم لا ينفع وجهالة لا تضرّ بمعنى أنّ النّسب إذا خرج عن الوضوح وصار من قبيل العلوم ذهبت فائدة الوهم فيه عن النّفس وانتفت النّعرة الّتي تحمل عليها العصبيّة فلا منفعة فيه حينئذ والله سبحانه وتعالى أعلم.

[الفصل التاسع في أن الصريح من النسب إنما يوجد للمتوحشين في القفر من العرب ومن في معناهم]

وذلك لما اختصّوا به من نكد العيش وشظف الأحوال وسوء المواطن حملتهم عليها الضّرورة الّتي عيّنت لهم تلك القسمة وهي لمّا كان معاشهم من القيام على الإبل ونتاجها ورعايتها والإبل تدعوهم إلى التّوحّش في القفر لرعيها من شجره


[١] الأصوب أن يقول مجانة أو مجونا.

<<  <  ج: ص:  >  >>