للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّله لاسترجاع ملكه من أيديهم، فأجاب أمير المسلمين داعية رجاء للكرة بافتراقهم، وارتحل حتى انتهى إلى قصر المجاز، وأوعز إلى الناس بالنفير إلى الجهاد، وأجاز إلى الخضراء فاحتل بها لربيع الثاني من سنة إحدى وثمانين وستمائة واجتمعت عليه مسالح الثغور بالأندلس وسار حتى نزل صخرة عبّاد [١] ، فوافاه بها الطاغية ذليلا لعزّ الإسلام مؤمّلا صريخ السلطان، فأكبر وفادته وأكرم موصله وعظّم قدره وأمدّه لنفقاته بمائة ألف من مال المسلمين استرهن فيها التاج الذخيرة عند سلفه، وبقي بدارهم فخرا للأعقاب لهذا العهد. ودخل معه دار الحرب غازيا حتى ينازل قرطبة، وبها شانجة ابن الطاغية الخارج عليه مع طائفة، فقاتلها أياما ثم أفرج عنها.

وتنقّل في جهاتها ونواحيها وارتحل إلى طليطلة فعاث في جهاتها، وخرّب عمرانها حتى انتهى إلى حصن مجريط من أقصى الثغر، فامتلأت أيدي المسلمين وضاق معسكرهم بالغنائم التي استاقوها. وقفل إلى الجزيرة فاحتلّ بها لشعبان من سنته، وكان عمر بن محلى نزع إلى طاعة السلطان فهمّ به ابن الأحمر، ونبذ إليه عهده. وارتجع المنكب من يده ونازلة بعساكره فاتح هذه السنة، فجهّز السلطان إليه لوصوله الجزيرة أسطوله. وأفرج ابن الأحمر عنه، فبادر إلى السلطان بطاعته، ووصل بيعة شلوبانية فأبقاه فيها بدعوته. ثم راجع طاعة ابن الأحمر في شوّال من سنته، فتقبّل فيئته وأعاضه عنها بالمنكب [٢] إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.

الخبر عن شأن السلم مع ابن الأحمر وتجافي السلطان له عن مالقة ثم تجدّد الغزو بعد ذلك

لما اتصلت يد السلطان بيد الطاغية، خشي ابن الأحمر غائلته، فجنح إلى موالاة شانجة الخارج عن أبيه. ووصل يده بيده، وأكّد له العقد على نفسه وأضرمت له الأندلس نارا وفتنة. ولم تغن شانجة عن ابن الأحمر شيئا ورجع السلطان من غزاته مع الطاغية، وقد ظهر على ابنه فأجمع على منازلة مالقة، ونهض إليها من الجزيرة فاتح اثنتين وثمانين وستمائة فتغلّب على الحصون الغربيّة كلّها. ثم أسعف إلى مالقة


[١] وفي نسخة أخرى: عياد.
[٢] المنكب: كان حصنا قويا، وهو اليوم فرضة صغيرة على البحر تابعة لمركز مطريل في مديرية غرناطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>