للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل التاسع والأربعون في حدوث الدولة وتجددها كيف يقع]

اعلم أنّ نشأة الدّول وبداءتها إذا أخذت الدّولة المستقرّة في الهرم والانتقاص تكون على نوعين إمّا بأن يستبدّ ولاة الأعمال في الدّولة بالقاصية عند ما يتقلّص ظلّها عنهم فيكون لكلّ واحد منهم دولة يستجدّها لقومه وما يستقرّ في نصابه يرثه عنه أبناؤه أو مواليه ويستفحل لهم الملك بالتّدريج وربّما يزدحمون على ذلك الملك ويتقارعون عليه ويتنازعون في الاستئثار به ويغلب منهم من يكون له فضل قوّة على صاحبه وينتزع ما في يده كما وقع في دولة بني العبّاس حين أخذت دولتهم في الهرم وتقلّص ظلّها عن القاصية واستبدّ بنو ساسان بما وراء النّهر وبنو حمدان بالموصل والشّام وبنو طولون بمصر وكما وقع بالدّولة الأمويّة بالأندلس وافترق ملكها في الطّوائف الّذين كانوا ولاتها في الأعمال وانقسمت دولا وملوكا أورثوها من بعدهم من قرابتهم أو مواليهم وهذا النّوع لا يكون بينهم وبين الدّولة المستقرّة حربا لأنّهم مستقرّون في رئاستهم ولا يطمعون في الاستيلاء على الدّولة المستقرّة بحرب وإنّما الدّولة أدركها الهرم وتقلّص ظلّها عن القاصية وعجزت عن الوصول إليها والنّوع الثّاني بأن يخرج على الدّولة خارج ممّن يجاورها من الأمم والقبائل إمّا بدعوة يحمل النّاس عليها كما أشرنا إليه أو يكون صاحب شوكة وعصبيّة كبيرا في قومه قد استفحل أمره فيسمو بهم إلى الملك وقد حدّثوا به أنفسهم بما حصل لهم من الاعتزاز على الدّولة المستقرّة وما نزل بها من الهرم فيتعيّن له ولقومه الاستيلاء عليها ويمارسونها بالمطالبة إلى أن يظفروا بها ويزنون [١] كما تبين والله سبحانه وتعالى أعلم.


[١] قوله ويزنون وفي نسخة ويرفون من الرفو بالراء والفاء. أهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>