للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناوية لتنفيذ الأوامر السلطانيّة، فكانا لذلك رديفين له في سلطانه.

ولما اشتدّ وجع السلطان تمشّت سماسرة الفتن بين هذين الأميرين وحزّب أهل المعسكر لهما أحزابها، وبثّ كل واحد منهما المال وحمل على المقربات. وصارت شيعا وانقسموا فرقا. وهمّ الأمير أبو عبد الرحمن بالتوثّب على الأمر قبل أن يتبيّن حال السلطان بإغراء وزرائه وبطانته بذلك. وتفطّن خاصّة السلطان لها، فأخبروه الخبر وحضّوه على الخروج إلى الناس قبل أن يتفاقم الأمر ويتّسع الخرق، فبرز إلى فسطاط جلوسه وتسامع أهل المعسكر به، فازدحموا على مجلسه وتقبيل يده. وتقبّض على أهل الظنّة من العساكر، فأودعهم السجن وسخط على الأميرين. ورحل الناس من معسكرهما، فردّهما إلى معسكره. ثم رجع إلى فسطاطه فارتاب الأميران لذلك ووجما، وطفئت نار فتنتهما وسكن سعي المفسدين عندهما وانتبذ الناس عنهما.

فاشتدّت روعة الأمير أبي عبد الرحمن، وركب من فساطيطه وخاض الليل، وأصبح بحلّة أولاد علي [١] أمراء زغبة الموطّنين بأرض حمزة، فتقبّض عليه أميرهم موسى بن أبي الفضل. وردّه إلى أبيه، فاعتقله بوجدة، ورتّب العيون لحراسته من حشمه إلى أن قتل بعد ذلك سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. وثبت بالسجّان فقتله. وأنفذ السلطان حاجبه علّان بن محمد فقضى عليه. ولحق وزيره زيّان بن عمر الوطاسي بالموحدين فأجاروه. ورضي السلطان صبيحة نزوع أبي عبد الرحمن عن أخيه أبي مالك، وعقد له على ثغور عمله بالأندلس، وصرفه إليها، وانكفأ إلى تلمسان.

والله أعلم.

[(الخبر عن خروج ابن هيدور وتلبسيه بابي عبد الرحمن)]

لما تقبّض السلطان على ابنه عبد الرحمن وأودعه السجن، تفرّق خدمة وحشمه وانذعروا في الجهات. وهمل جازر من مطبخه، كان يعرف بابن هيدور، كان شبيها له في الصورة، فلحق ببني عامر من زغبة، وكانوا لذلك العهد منحرفين عن


[١] وفي نسخة ثانية: أولاد زغلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>