للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(الخبر عن بيعة السلطان أبي عبد الله المستنصر وما كان في أيامه من الحوادث)]

لما هلك الأمير أبو زكريا بظاهر بونة سنة سبع وأربعين وستمائة كما قدمناه اجتمع الناس على ابنه الأمير أبي عبد الله، وأخذ له البيعة عمّه محمد اللحياني على الخاصة وسائر أهل المعسكر، وارتحل إلى تونس فدخل الحضرة ثالث رجب من السنة، فجدّد بيعته يوم وصوله وتلقّب المستنصر باللَّه. ثم جدّد البيعة بعد حين، واختار لوضع علامته: «الحمد للَّه، والشكر للَّه» وقام بأعباء ملكه، وتقبّض على خاصة أبيه الخصي كافور، كان قهرمان داره، فأشخصه إلى المهديّة، وأوعز إلى الجهات بأخذ البيعة على أهل العمالات فترادفت من كل جانب. واستوزر أبو عبد الله بن أبي مهدي، واستعمل على القضاء أبا زيد التوزري وكان يعلّم ولد عمّه اللحياني الثائر عليه كما نذكره، والله تعالى أعلم.

[(الخبر عن ثورة ابن عمه محمد اللحياني ومقتله ومقتل أبيه)]

كان للأمير أبي زكريا من الإخوة اثنان: محمد وكان أسنّ منه ويعرف باللحياني لطول لحيته، والآخر أبو إبراهيم، وكان بينهم من المخالصة والمصافاة ما لا يعبر عنه.

ولما هلك الأمير أبو زكريا، وقام بالأمر ابنه أبو عبد الله المستنصر، واستوزر محمد بن أبي مهدي الهنتاتي، وكان عظيما في قومه، فأمل أن يستبدّ عليه لمكان صغره، إذ كان في سنّ العشرين ونحوها. واستصعب عليه حجر السلطان بما كان له من الموالي العلوجيين [١] ، والصنائع من بيوت الأندلس. فقد كان أبوه اصطنع منهم رجالا، ورتّب جندا كثروا الموحدين وزاحموهم في مراكزهم من الدولة. فداخل ابن أبي مهدي السلطان، وبعث عندهما الأسف على ما فاتهما من الأمر، فلم يجد عندهما ما


[١] وفي نسخة ثانية: العلوج.

<<  <  ج: ص:  >  >>