للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدين. واستمرّ الحال على ذلك لهذا العهد وهو سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، والله مدبّر الأمور سبحانه.

[(الخبر عن فتح قفصة وتوزر وانتظام أعمال قسنطينة في طاعة السلطان)]

كان أمر هذا الجريد قد صار شورى بين رؤساء أمصاره فيما قبل دولة السلطان أبي بكر لاعتقال الدولة حينئذ بانقسامها كما مر، فلما استبدّ السلطان أبو بكر بالدعوة الحفصية وفرغ عن الشواغل صرف إليهم نظره وأوطأهم عساكره. ثم نهض فجاء إثر الشورى منها، وعقد لابنه أبي العبّاس عليها كما قلناه. فلما كان بعد مهلكه من اضطراب إفريقية وتغلب الأعراب على نواحيها ما كان منذ هزيمة السلطان أبي الحسن وتنازع رؤسائهم بعد أن كانوا سوقة في انتحال مذاهب الملك ومساريه [١] ، يقتعدون الأرائك ويتفقدون في المشي بين السكك المراكب [٢] ، ويهيئون في إيوانهم سبال الأشراف، ويتخذون الآلة أيام المشاهد آية للمعتبرين في تقلّب الأيام، وضحكة الأهل الشمات، حتى لقد حدّثتهم أنفسهم بألقاب الخلافة، وأقاموا على ذلك أحوالا والدولة في التياثها، فلما استبدّ السلطان أبو العباس بإفريقية وعمالاتها، وأتيح منه بالحضرة البازي المطل من مرقبه والأسد الخادر في عرينه، وأصبحوا فرائس له يتوقعون انصبابه إليهم وتوثّبه بهم، داخلوا حينئذ الاعراب في مدافعته عنهم بإضرام نار الفتنة، واقتعاد مطيّة الخلاف والنفاق يفتلون بذلك في عزائمه وأرخى هو لهم حبل الإمهال وفسح لهم مجال الإيناس بالمعاونة والوعد، رجاء الفيئة إلى الطاعة المعروفة والاستقامة على الجادة فأصرّوا وازدادوا عنادا ونفاقا فشمّر لهم عن عزائمه ونبذ إليهم عهدهم على سواء. ونهض من الحضرة سنة سبع وسبعين وسبعمائة في عساكره من الموحدين وطبقات الجند والموالي وقبائل زناتة من استألف إليه من العرب أولاد مهلهل وحكيم وأصهار أولاد أبي الليل على المدافعة عن أهل الجريد، ووافقوا


[١] وفي نسخة ثانية: وشاراته.
[٢] وفي نسخة ثانية: ويعقدون في المشي بين السلك والمواكب.

<<  <  ج: ص:  >  >>