للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو زكريا الأوسط بملك الثغور الغربية من بجاية وقسنطينة. وكان الوالي على الجزائر ابن الحكم زمن الموحّدين [١] فبادر إلى طاعته باتفاق من مشيخة الجزائر، ووفد عليه. وكتب ابن أكمار بولايتها، فلم يزل واليا عليهم إلى أن نشأت [٢] بنو مرين وزحفوا إلى بجاية. وكان ابن أكمار قد أسنّ وهرم فأدركته الوفاة خلال ذلك. وكان ابن علّان من مشيخة الجزائر مختصّا به متصرّفا بأوامره ونواهيه ومصدرا لإمارته.

حصلت له بذلك الرئاسة على أهل الجزائر سائر أيامه. ويقال كان له معه صهر، فلما وصل ابن اكمار حدّثته نفسه بالاستبداد والانتزاء بالجزائر، فبعث عن أهل الشوكة من نظرائه ليلة هلاك أميره، وضرب أعناقهم وأصبح مناديا بالاستبداد. وشغل الأمير أبو زكريا عنه بما كان من منازلة بني مرين ببجاية إلى أن هلك، وبقيت في انتقاضها على الموحدين آخر الدهر إلى أن تملّكها بنو عبد الواد كما يذكر إن شاء الله تعالى.

[(الخبر عن مهلك الأمير أبي زكريا وبيعة ابنه الأمير أبي البقاء خالد)]

كان الأمير أبو زكريا قد استولى على الثغور الغربية كما قلنا، واقتطعها من أعمال الحضرة، وقسّم الدعوة الحفصية بدولتين. وكان على غاية من الحزم والتيقّظ والصرامة لم يبلغها سواه. وكان كثير الإشراف على وطنه والمباشرة لأعماله بنفسه وسدّ خلله. ولم يزل على ذلك إلى أن هلك على رأس المائة السابعة. وكان قد عهد بالأمر لابنه الأمير أبي البقاء خالد سنة ثمان وتسعين وستمائة وعقد له على قسنطينة وأنزله بها. فلمّا هلك الأمير أبو زكريا جمع الحاجب أبو القاسم بن أبي حي مشيخة الموحدين وطبقات الجند، وأخذ بيعتهم للأمير أبي البقاء وطيّر له بالخير واستقدمه فقدم، وبويع البيعة العامّة، وابقى ابن أبي حي على حجابته واستوزر يحيى بن أبي الأعلام، وقدّم على صنهاجة أبا عبد الرحمن بن يعقوب بن حلوب منهم،


[١] وفي نسخة أخرى: ابن اكمازير من مشيخة الموحدين وفي النسخة الباريسية ابن أكمار.
[٢] وفي نسخة أخرى: إلى أن كان شأن بني مرين وزحفهم إلى بجاية.

<<  <  ج: ص:  >  >>