نجم الدين من هنالك إلى مصر فوصلها منتصف خمس وستين وركب العاضد للقائه ولما كان نور الدين بعشيرا سار للقاء شهاب الدين محمد بن الياس بن أبي الغازي بن أرتق صاحب قلعة أكبره فلما انتهى إلى نواحي بعلبكّ لقي سرية من الإفرنج فقاتلهم وهزمهم واستلحمهم وجاء بالأسرى ورءوس القتلى إلى نور الدين وعرف الرءوس مقدم الإستبان [١] صاحب حصن الأكراد وكان شجّى في قلوب المسلمين وبلغه وهو بهذا المنزل خبر الزلازل التي عمت البلاد بالشام والموصل والجزيرة والعراق وخرجت أكثر البلاد بعمله فسار إليها وشغل في إصلاحها من واحدة إلى أخرى حتى أكملها بمبلغ جهده واشتغل الإفرنج بعمارة بلادهم أيضا خوفا من غائلته والله تعالى أعلم.
[وفاة قطب الدين صاحب الموصل وملك ابنه سيف الدين غازي]
ثم توفي قطب الدين مودود بن الأتابك زنكي صاحب الموصل في ذي الحجة سنة خمس وستين لإحدى وعشرين سنة ونصف من ملكه وعهد لابنه الأكبر عماد الدين بالملك وكان القائم بدولته فخر الدين عبد المسيح وكان شديد الطواعية لنور الدين محمود ويعلم ميله عن عماد الدين زنكي بن مودود فعدل عنه إلى أخيه سيف الدين غازي بن مودود بموافقة أمّه خاتون بنت حسام الدين تمرتاش بن أبي الغازي ولحق عماد الدين بعمه نور الدين منتصرا به وقام فخر الدين عبد المسيح بتدبير الدولة بالموصل واستبدّ بها والله تعالى أعلم.
[استيلاء نور الدين على الموصل وإقراره ابن أخيه سيف الدين عليها]
ولما ولي سيف الدين غازي بالموصل بعد أبيه قطب الدين واستبدّ عليه فخر الدين عبد المسيح كما تقدّم وبلغ الخبر إلى نور الدين باستبداده أنف من ذلك وسار في خف من العسكر وعبر الفرات عند جعبر أوّل سنة ست وستين وقصد الرقة فملكها ثم الخابور فملك جميعه ثم
[١] كذا بالأصل وفي الكامل ج ١١ ص ٣٥٢: فرأى نور الدين في الرءوس رأس مقدم الإسبتار صاحب حصن الأكراد.