للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(نكبة ابن أبي عمر ومهلكه وحركات ابن حسون)]

لما استقل السلطان بملكه واقتعد سريره، صرف نظره إلى أولياء تلك الدولة ومن يرتاب منه. وكان محمد بن أبي عمر قد تقدّم ذكره وأوّليته، من جملة خواصه وأوليائه وندمائه. وكان السلطان يقسم له من عنايته وجميل نظره ويرفعه عن نظرائه. فلمّا ولي السلطان موسى نزعت إليه نوازع المخالصة لأبيه من السلطان أبي عنان فقد كان أبوه أعزّ بطانته كما مرّ، فاستخلصه السلطان موسى للشورى ورفعه على منابر أهل الدولة. وجعل إليه كتاب علامته على المراسم السلطانية، كما كان لأبيه.

وكان يفاوضه في مهمّاته ويرجع إليه في أموره حتى غصّ به أهل الدولة ونمي عنه للوزير مسعود بن ماسي أنه يداخل السلطان في نكبته. وربما سعى عند سلطانه في جماعة من بطانة السلطان أحمد، فأتى عليهم النكال والقتل لكلمات [١] كانت تجري بينهم وبينه في مجالسة المنادمة عند السلطان حقدها لهم. فلما ظفر بالحظ من سلطانه، سعى بهم فقتلهم. وكان القاضي أبو إسحاق اليزناسني من بطانة السلطان أحمد وكان يحضر مع ندمائه فحقد له ابن أبي عامر، وأغرى به سلطانه فضربه وأطافه، وجاء بها شنعاء غريبة في القبح. وسفر عن سلطانه إلى الأندلس، وكان يمرّ بمجلس السلطان أحمد ومكان اعتقاله. وربّما يلقاه فلا يلمّ إليه ولا يجيبه [٢] ، ولا يوجب له حقا، فأحفظ ذلك السلطان. ولما فرغ من ابن ماسي قبض على ابن أبي عمر هذا وأودعه السجن، ثم امتحنه بعد ذلك إلى أن هلك بالسياط، عفا الله عنه. وحمل إلى داره، وبينما أهله يحضّرونه إلى قبره وإذا بالسلطان قد أمر بأن يسحب بنواحي البلد إبلاغا في التنكيل، فحمل من نعشه وقد ربط حبل برجله، وسحب في سائر أنحاء المدينة. ثم ألقي في بعض المزابل [٣] . ثم قبض على حركات ابن حسّون وكان مجلبا في الفتنة، وكان العرب المخالفون من المعقل، لما أجاز السلطان إلى سبتة، وحركات هذا بتدلّا، راودوه على طاعة السلطان فامتنع أوّلا. ثم أكرهوه وجاءوا به


[١] وفي النسخة المصرية: لفلتات.
[٢] وفي النسخة المصرية: فلم يلم بتحية.
[٣] وفي النسخة المصرية: ثم القي على بعض الكثبان من أطرافها وأصبح مثلا في الآخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>