[(وفاة السلطان أبي العباس وولاية ابنه أبي فارس عزوز)]
كان السلطان أبو العبّاس أزمن به وجع النقرس حتى كان في غالب أسفاره يحمل على البغال في المحفّة. ثم اشتدّ به آخر عمره وأشرف في سنة ست وتسعين وسبعمائة على الهلكة. وكان أخوه زكريا رديفه في الملك والمرشّح بعده للأمر، وابنه محمد واليا على بونة موضع إمارته من قبل. وكان للسلطان أولاد كثيرون يتطاولون على أبيهم ويغصون بعمهم زكريا، ويخشون غائلته بعد أبيهم، فلمّا قارب السلطان منيته اشتدّ جزعهم وإشفاقهم من عمهم. وبعث السلطان كبيرهم أبا بكر بعهده على قسنطينة فسار إليها بين يدي موته، واعصوصب الباقون على كبيرهم بعده إلى أبي فارس عزّوز فقبضوا على عمهم زكريا وقد دخل يعود أخاه، وأودعوه في بعض الحجر ووكّلوا به، وهلك السلطان لثلاث بعدها فبايعوا أخاهم أبا فارس رابع شعبان سنة ست وتسعين وجاء أهل البلد إلى بيعته أفواجا من الأعيان والكافة فتمّت بيعته، وأمر بنقل ما في بيوت عمّه من الأموال والذخيرة إلى قصره حتى استوعبها، وضيّق عليه في محبسه، وقام بتدبير ملكه وسياسة سلطانه. وولّى بعض إخوته على منابر عمله بإفريقية فبعث أحدهم على سوسة والثاني على المهديّة، وردف أخاه إسماعيل في ملكه بتونس، وأحلّ الباقين محل الشورى والمفاوضة.
وبلغ الخبر إلى أخيه المنتصر بتوزر فاضطرب أمره ولحق بالحامة فأقام بها. وكذلك أخوه زكريا بنفطة فلحق بالجبال بنفزاوة. وكان أخوه أبو بكر لما سار إلى قسنطينة لولاية أبيه قبيل وفاته ومرّ ببونة فلقيه صاحبها الأمير محمد ابن عمّه زكريا بما شاء من أنواع الكرامة والمبرّة ووافى قسنطينة فطلب منه القائمون بها كتاب السلطان بعهده عليها فأقرأهم إيّاه، وفتحوا له الأبواب فدخل واستولى على أمرها. وكان خالصة السلطان أبي فارس عبد العزيز المتولي بالمغرب بعد وفاة أبيه السلطان أبي العبّاس بن سالم في صفر من شهور السنة، وحمّله من الهدايا والتحف ما يليق بأمثالهما فسار. فلمّا انتهى إلى ميلة بلغه الخبر بوفاة السلطان مرسلة وأوعز إليه الأمير أبو بكر من قسنطينة [١]
[١] وفي طبعة بولاق المصرية: قسطنطينة وكذا في النسخة التونسية. وفي معجم البلدان: قسنطينية. وفي كتب التاريخ الحديثة: قسنطينة.