للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمره يوسف بن عمر وبنوه، ولهم فيه عزّة وثروة، وقد اتخذوا به المصانع والغروس وفرض لهم السلطان بديوان سبتة العطاء، وأقطعهم ببسيط طنجة الضياع استئلافا لهم وحسما لزبون سائر غمارة بإيناس طاعتهم، وللَّه الخلق والأمر بيده ملكوت السموات والأرض.

[(الخبر عن أهل جبال درن بالمغرب الأقصى من بطون المصامدة وما كان لهم من الظهور والأحوال ومبادئ أمورهم وتصاريفها)]

هذه الجبال بقاصية المغرب من أعظم جبال المعمور ربما أعرق في الثرى أصلها وذهبت في السماء فروعها، ومدّت في الجوّ هياكلها، ومثلت سياجا على ريف المغرب سطورها تبتدئ من ساحل البحر المحيط عند أسفى وما إليها، وتذهب في المشرق إلى غير نهاية. ويقال إنها تنتهي إلى قبلة برنيق من أرض برقة، وهي في الجانب مما يلي مراكش قد ركب بعضها بعضا متتالية على نسق من الصحراء إلى التل. يسير الراكب فيه متعرّضا من تامسنا وسواحل مراكش إلى بلاد السوس ودرعه من القبلة ثمان مراحل وأزيد، تفجّرت فيها الأنهار، وجلل الأرض، حمراء الشعراء [١] وتطابقت بينها ظلال الأدواح. وزكت فيها مواد الزرع والضرع، وانفسحت مسارح الحيوان ومراقع الصيد، وطابت منابت الشجر، ودرت أفاويق الجباية يعمرها من قبائل المصامدة أمم لا يحصيهم إلّا خالقهم، قد اتخذوا المعاقل والحصون وشيّدوا المباني والقصور واستغنوا بقطرهم عن سائر أقطار العالم، فرحل إليهم التجر من الآفاق، واختلفت إليهم أهل النواحي والأمصار، ولم يزالوا مذ أوّل الإسلام وما قبله معتمرين بتلك الجبال قد أوطنوا منها أقاليم تعدّدت فيها الممالك والعمالات بتعدد شعوبهم وقبائلهم، وافترقت أسماؤها بافتراق أجيالهم [٢] .

تنتهي ديارهم من هذه الجبال إلى ثنية المعدن المعروفة ببني فازان حيث تبتدئ مواطن صنهاجة [٣] ويحفّون بهم كذلك من ناحية القبلة إلى بلاد السوس وقبائل هؤلاء


[١] وفي نسخة ثانية: خمر الشّعراء.
[٢] وفي نسخة ثانية: أحيائهم.
[٣] وفي نسخة ثانية: صناكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>