للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وامتنعت عليهم، وتولّى كبر امتناعها قائدهم عيّاض الطائر الذكر رئيسهم لذلك العهد بدينه وأبوّته وعلمه ومنصبه. ثم افتتحت بعد فتح مراكش سنة إحدى وأربعين فكانت لغمارة هؤلاء السابقة التي رعيت لهم سائر أيام الدولة.

ولما فشل أمر بني عبد المؤمن وذهبت ريحهم، وكثر الثوار بالقاصية، ثار فيهم ابن محمد الكتامي سنة خمس وعشرين، كان أبوه من قصر كتامة منقبضا عن الناس وكان ينتحل الكيميا وتلقّنه عنه ابنه محمد هذا. وكان يلقّب أبا الطواحن فارتحل إلى سبتة ونزل على بني سعيد وادّعى صناعة الكيميا فاتبعه الغوغاء. ثم ادّعى النبوّة وشرّع شرائع، وأظهر أنواعا من الشعوذة فكثر تابعه. ثم اطلعوا على خبثه ونبذوا إليه عهده. وزحفت عساكر سبتة إليه ففرّ عنها، وقتله بعض البرابرة غيلة.

ثم غلب بنو مرين على بسائط المغرب وأمصاره سنة أربعين وستمائة، واستولوا على كرسي الأمر بمراكش سنة ثمان وستين وستمائة فامتنع قبائل غمارة من طاعتهم واستعصوا عليهم، وأقاموا بمنجاة من الطاعة، وعلى ثبج من الخلاف، وامتنعت سبتة من ورائهم على ملوك بني مرين بسبب امتناعهم وصار أمرها إلى الشورى، واستبدّ بها الفقيه أبو القاسم العزفي من مشيختهم، كما سنذكر ذلك كله، إلى أن وقع بين قبائل غمارة ورؤسائهم فتن وحروب، ونزعت إحدى الطائفتين إلى طاعة السلطان بالمغرب من بني مرين فأتوها طواعية.

وأدخل الآخرون في الطاعة تلوهم طوعا أو كرها، فملك بنو مرين أمرهم، واستعملوا عليهم، وتخطّوا إلى سبتة من ورائهم فملكوا أمر العزفيّين سنة سبع وعشرين وسبعمائة على ما نذكره بعد عند ذكر دولتهم. وهم الآن على أحسن أحوالهم من الاعتزاز والكثرة يؤتون طاعتهم وجبايتهم عند استقلال الدولة، ويمرضون فيها عند التياثها بفشل واشتغال بمحاربها [١] فتجهّز البعوث إليهم من الحضرة حتى يستقيموا على الطاعة، ولهم بوعورة جبالهم عزّ ومنعة وجوار لمن لحق بهم من أعياص الملك، ومستأمني الخوارج إلى هذا العهد. ولبني يكم من بينهم الحظ الوافر من ذلك لإشراف جبلهم على سائرها وسموه بقلاعه [٢] إلى مجاري السحب دونها وتوعّر مسالكه بهبوب الرياح فيها. وهذا الجبل مطل على سبتة من غربيها ورئيسه منهم وصاحب


[١] وفي نسخة ثانية: أو شغل بخارج.
[٢] وفي نسخة ثانية: سموّ بقاعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>