وساروا جميعا إلى بغداد. واستولى محمد على مخلّف أياز بهمذان وحلوان وكان شيئا مما لا يعبّر عنه. وصادر جماعة من أصحاب أياز من أهل همذان، ووصل بركيارق إلى بغداد منتصف ذي القعدة سنة أربع وتسعين، وبعث المستظهر لتلقّيه أمين الدولة بن موصلايا في المراكب، وكان بركيارق مريضا فلزم بيته، وبعث المستظهر في عيد الأضحى إلى داره منبرا خطب عليه باسمه، وتخلّف بركيارق عن شهود العيد لمرضه، وضاقت عليه الأموال فطلب الإعانة من المستظهر، وحمل إليه خمسين ألف دينار بعد المراجعات، ومد يده إلى أموال الناس وصادرهم فضجّوا، وارتكب خطيئة شنعاء في قاضي جبلة وهو أبو محمد عبد الله بن منصور. وكان من خبره أنّ أباه منصورا كان قاضيا بجبلة في ملكة الروم، فلما ملكها المسلمون وصارت في يد أبي الحسن عليّ بن عمّار صاحب طرابلس أقرّه على القضاء بها. وتوفي فقام ابنه أبو محمد هذا مقامه ولبس شعار الجنديّة وكان شهما، فهمّ ابن عمّار بالقبض عليه، وشعر فانتقض وخطب للخلفاء العبّاسية. وكان ابن عمّار يخطب للعلويّة بمصر، وطالت منازلة الفرنج بحصن جبلة إلى أن ضجر أبو محمد هذا، وبعث إلى صاحب دمشق وهو يومئذ طغتكين الأتابك أن يسلّم إليه البلد، فبعث ابنه تاج الملوك موري وتسلّم منه البلد، وجاء به إلى دمشق وبذل لهم فيه ابن عمّار ثلاثين ألف دينار دون أمواله، فلم يرضوا بإخفار ذمتهم وسار عنهم إلى بغداد، ولقي بها بركيارق فأحضره الوزير أبو المحاسن وطلبه في ثلاثين ألف دينار، فأجاب وأحالهم على منزله بالأنبار، فبعث الوزير من أتاه بجميع ما فيه، وكان لا يعبّر فكانت من المنكرات التي أتاها بركيارق.
ثم بعث الوزير إلى صدقة بن منصور بن دبيس بن مزيد صاحب حلب يطلب منه ألف ألف دينار متخلّفة من مال الجباية، وتهدّده عليها فغضب وانتقض وخطب لمحمد، وبعث إليه بركيارق الأمير أياز يستقدمه فلم يجب، وبعث إلى الكوفة وطرد عنها نائب بركيارق واستضافها إليه.
[استيلاء محمد على بغداد]
قد ذكرنا استيلاء محمد على همذان في آخر ذي الحجة من سنة أربع وتسعين، ومعه أخوه سنجر. وذهب بركيارق إلى بغداد فاستولى عليها وأساء السيرة بها، وبلغ الخبر إلى محمد فسار من همذان في عشرة آلاف فارس، ولقيه بحلوان أبو الغازي بن أرتق شحنته ببغداد في عساكره وأتباعه. وكان بركيارق في شدّة من المرض، قد أشرف