كان الاتابك عماد الدين زنكي بن آقسنقر صاحب الموصل والشام محاصرا لقلعة جعبر كما ذكرنا واجتمع جماعة من مواليه اغتالوه ليلا وقتلوه على فراشه ولحقوا بجعبر وأخبروا أهلها فنادوا من السور بقتله فدخل أصحابه اليه وألفوه بجود بنفسه وكان قتل لخمس من ربيع الآخر سنة احدى وأربعين عن ستين سنة من عمره ودفن بالرقة وكان يوم قتل أبوه ابن سبع سنين ولما قتل دفن بالرقة وكان حسن السياسة كثير العدل مهيبا عند جنده عمر البلاد وأمنها وأنصف المظلوم من الظالم وكان شجاعا شديد الغيرة كثير الجهاد ولما قتل رحل العسكر عن قلعة فنك وصاحبها غفار قال ابن الأثير سمعتهم يزعمون أن لهم فيها نحو ثلاثمائة سنة وفيهم رفادة وعصبية ويجيرون كل من يلجأ اليهم والله أعلم.
[استيلاء ابنه غازي على الموصل وابنه الآخر محمود على حلب]
ولما قتل الاتابك زنكي نزع ابنه نور الدين محمود خاتمه من يده وسار به الى حلب فاستولى عليها وخرج الملك البارسلان ابن السلطان محمود واجتمعت عليه العساكر وطمع في الاستقلال بملك الموصل وحضر ابنه جمال الدين محمد بن علي ابن متولي الديوان وصلاح الدين محمد بن الباغيسياني الحاجب وقد اتفقا فيما بينهما على حفظ الدولة لأصحابهما وحسنا لألب أرسلان ما هو فيه من الاشتغال بلذاته وأدخلاه الرقة فانغمس بها وهما يأخذان العهود على الأمراء لسيف الدين غازي ويبعثانهم الى الموصل وكان سيف الدين غازي في مدينة شهرزور وهي أقطاعه وبعث اليه زين الدين على كوجك نائب القلعة بالموصل يستدعيه ليحضر عنده وسار البارسلان الى سنجار والحاجب وصاحبه معه ودسوا الى نائبها بأن يعتذر للملك البارسلان بتأخره حتى يملك الموصل فساروا الى الموصل ومرّوا بمدينة [١] وقد وقف العسكر فأشاروا على البارسلان بعبور دجلة الى الشرق وبعثوا الى سيف الدين غازي بخبره وقلة عسكره فأرسل اليه عسكرا فقبضوه وجاءوا به فحسب بقلعة الموصل واستولى سيف الدين غازي على الموصل والجزيرة وأخوه نور الدين محمود على حلب ولحق به صلاح الدين الباغيسياني فقام بدولته والله سبحانه وتعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده.
[١] بياض بالأصل في هذه النسخة وفي نسخة ثانية: مدينة سنجار.