العجم بوفور عمرانها بهم ولم يكد يخلو عنهم مصر ولا جيل فغلبت العجمة فيها على اللّسان العربيّ الّذي كان لهم وصارت لغة أخرى ممتزجة. والعجمة فيها أغلب لما ذكرناه فهي عن اللّسان الأوّل أبعد. وكذا المشرق لمّا غلب العرب على أممه من فارس والتّرك فخالطوهم وتداولت بينهم لغاتهم في الأكرة والفلّاحين والسّبي الّذين اتّخذوهم خولا ودايات وأظآرا ومراضع ففسدت لغتهم بفساد الملكة حتّى انقلبت لغة أخرى. وكذا أهل الأندلس مع عجم الجلالقة والإفرنجة. وصار أهل الأمصار كلّهم من هذه الأقاليم أهل لغة أخرى مخصوصة بهم تخالف لغة مضر ويخالف أيضا بعضهم بعضا كما نذكره وكأنّه لغة أخرى لاستحكام ملكتها في أجيالهم. والله يخلق ما يشاء ويقدّر.
[الفصل التاسع والأربعون في تعليم اللسان المضري]
اعلم أنّ ملكة اللّسان المضريّ لهذا العهد قد ذهبت وفسدت ولغة أهل الجيل كلّهم مغايرة للغة مضر الّتي نزّل بها القرآن وإنّما هي لغة أخرى من امتزاج العجمة بها كما قدّمناه. إلّا أنّ اللّغات لمّا كانت ملكات كما مرّ كان تعلّمها ممكنا شأن سائر الملكات. ووجه التّعليم لمن يبتغي هذه الملكة ويروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن والحديث وكلام السّلف ومخاطبات فحول العرب في أسجاعهم وأشعارهم وكلمات المولّدين أيضا في سائر فنونهم حتّى يتنزّل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم والمنثور منزلة من نشأ بينهم ولقّن العبارة عن المقاصد منهم. ثمّ يتصرّف بعد ذلك في التّعبير عمّا في ضميره على حسب عباراتهم وتأليف كلماتهم وما وعاه وحفظه من