قد كنا قدّمنا أنّ الاتابك زنكي تغلب على حماة من يد تاج الملوك بوري بن طغركين صاحب دمشق سنة ثلاث وعشرين وأقامت في ملكه أربع سنين وتوفي تاج الملوك بوري في رجب سنة ست وعشرين وولىّ بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل وملك بانياس من الافرنج في صفر سنة سبع وعشرين ثم بلغه أنّ المسترشد باللَّه حاصر الموصل فسار هو الى حماة وحاصرها وقاتلها يوم الفطر ويومين بعده فملكها عنوة واستأمنوا فأمنهم ثم حصر الوالي ومن معه بالقلعة فاستأمنوا أيضا واستولى على ما فيها من الذخائر والسلاح وسار منها الى قلعة شيرز فحاصرها ابن منقذ فحمل اليه مالا صانعه به وعاد الى دمشق في ذي الحجة من السنة.
[حصار الاتابك زنكي قلعة آمد واستيلاؤه على قلعة النسور ثم حصار قلاع الحميدية]
وفي سنة ثمان وعشرين وخمسمائة اجتمع الاتابك زنكي صاحب الموصل وصاحب ماردين على حصار آمد واستنجد صاحبها بداود بن سقمان صاحب كيفا فجمع العساكر وسار اليهما ليدافعهما عنه وقاتلاه فهزماه وقتل كثير من عسكره وأطالا حصار آمد وقطعا شجرها وكرومها وامتنعت عليهما فرحلا عنها وسار زنكي الى قلعة النسور من ديار بكر فحاصرها وملكها منتصف رجب من السنة ووفد عليه ضياء الدين أبو سعيد بن الكفرتوثيّ فاستوزره الاتابك وكان حسن الطريقة عظيم الرئاسة والكفاية محببا في الجند وتوفي سنة ست وثلاثين بعدها ثم استولى الاتابك على سائر قلاع الأكراد الحميدية مثل قلعة العقر وقلعة سوس وغيرهما وكان لما ملك الموصل أمر صاحب هذه القلاع الأمير عيسى الحميري على ولايتها فلما حاصر المسترشد الموصل قام في خدمته أحسن القيام وجمع له الأكراد فلما عاد المسترشد الى بغداد من قتال الاتابك زنكي فحاصر قلاعهم وحاصرتها العساكر وقاتلوها قتالا شديدا حتى ملكوها في هذه السنة ورفع الله شرّهم عن أهل السواد المحاربين لهم فقد كانوا منهم في ضيقة من كثرة عيثهم في البلاد وتخريبهم والله تعالى أعلم.