الشموع وأذكى النيران حوالي الفسطاط، وجمع الموالي والجند وأركب السلطان، ودخل إلى قصره، وانحجز بالبلد الجديد، وأصبح منصور بن سليمان فارتحل في التعبية حتى نزل بكدية العرائس في الثاني والعشرين لجمادى الأخيرة، واضطرب معسكره بها، وغدا عليها بالقتال وشدّ عليها الحملات، وامتنعت يومها. ثم جمع الأيدي على اتخاذ الآلات للحصار. واجتمعت إليه وفود الأمصار بالمغرب للبيعة، ولحقت به كتائب بني مرين التي كانت محجّرة بمراكش لحصار عامر مع الوزير سليمان بن داود فاستوزره، وأطلق عبد الله بن علي وزير السلطان أبي عنان من معتقله بسبتة، فخلص منه خلوص الإبريز بعد السبك. وأمر منصور بن سليمان بتسريح السجون، فخرج من كان بها من دعّار بجاية وقسنطينة، وكانوا معتقلين من لدن استيلاء السلطان أبي عنان على بلادهم. وانطلقوا إلى مواطنهم، وأقام على البلد الجديد يغاديها القتال ويراوحها ونزع عنه إلى الوزير الحسن بن عمر طائفة من بني مرين. ولحق آخرون ببلادهم، وانتقضوا عليه ينتظرون مآل أمره. ولبث على هذه الحال إلى غرّة شعبان، فكان من قدوم السلطان أبي سالم لملك سلفه بالمغرب، واستيلائه عليه، ما نذكره إن شاء الله تعالى.
[الخبر عن نزول المولى أبي سالم بجبال غمارة واستيلائه على ملك المغرب ومقتل منصور بن سليمان]
كان السلطان أبو سالم بعد مهلك أبيه واستقراره بالأندلس، وخروج أبي الفضل بالسوس لطلب الأمر، ثم ظفر السلطان أبي عنان به ومهلكه كما ذكرناه، قد تورّع وسكن وسالمه السلطان. ثم لما هلك سلطان الأندلس أبو الحجاج سنة خمس وخمسين وسبعمائة يوم الفطر بمصلى العيد طعنه أسود مدسوس كان ينسب إلى أخيه محمد من بعض إماء قصرهم. ونصّبوا للأمر ابنه محمدا وحجبه مولاه رضوان [١] .
واستبدّ عليه. وكان للسلطان أبي عنان اعتزاز كما ذكرناه، وكان يؤمّل ملك الأندلس. وأوعز إليهم عند ما طرقه طائف المرض سنة سبع وخمسين وسبعمائة أن