عليه أقبل على مداراتهم إلى أن جنّ الليل. ثم تسرّب في البلد واختفى منتصف ذي الحجة من سنة ثلاث، وبلغ الخبر إلى حميد وعليّ بن هشام، فأقبلوا إلى دار إبراهيم فلم يجدوه، وذلك لسنتين من بيعته. وأقام عليّ بن هشام على شرقي بغداد وحميد على غربيها وأظهر سهل بن سلامة ما كان يدعو إليه فقرّبه حميد ووصله.
[قدوم المأمون إلى العراق]
لما وقعت هذه الفتن بالعراق بسبب الحسن بن سهل ونفور الناس من استبداده وأخيه على المأمون ثم من العهد لعليّ الرضا بن موسى الكاظم وإخراج الخلافة من بني العبّاس، وكان الفضل بن سهل يطوي ذلك عن المأمون ويبالغ في اخفائه حذرا من أن يتغيّر رأي المأمون فيه وفي أخيه. ولما جاء هرثمة للمأمون وعلم أنه يخبره بذلك وأنّ المأمون يثق بقوله، أحكم السعاية فيه عند المأمون حتى تغيّر له فقتله ولم يصغ إلى كلامه، فازدادت نفرة الشيعة وأهل بغداد وكثرت الفتن وتحدث القوّاد في عسكر المأمون بذلك، ولم يقدروا على إبلاغه، فجاءوا إلى عليّ الرضا وسألوه إنهاء ذلك إلى المأمون، فأخبره بما في العراق من الفتنة والقتال، وأنهم بايعوا إبراهيم بن المهدي فقال المأمون: إنما جعلوه أميرا يقوم بأمرهم! فقال: ليس كذلك وإنّ الحرب الآن قائمة بين ابن سهل وبينه، وإنّ الناس ينقمون عليك مكان الفضل والحسن ومكاني وعهدك لي، فقال له المأمون: ومن يعلم هذا غيرك؟ فقال يحيى بن معاذ وعبد العزيز ابن عمران وغيرهما من وجوه قوّادك. فاستدعاهم فكتموا حتى استأمنوا إليه ثم أخبروه بما أخبره به الرضا، وأنّ الناس بالعراق يتّهمونه بالرفض لعهده لعلي الرضا وأنّ طاهر ابن الحسين مع علم أمير المؤمنين ببلائه قد دفع إلى الرقّة وضعف أمره، والبلاد تفتّقت من كل جانب، وإن لم يتدارك الأمر ذهبت الخلافة منهم. فاستيقن المأمون ذلك وأمر بالرحيل واستخلف على خراسان غسّان بن عبّاد وهو ابن عم الفضل بن سهل، وعلم الفضل بن سهل بذلك فشرع في عقاب أولئك القوّاد فلم يغنه. ولما نزل المأمون شرحبيل وثب بالفضل أربعة نفر فقتلوه في الحمام وهربوا، وجعل المأمون جعلا لمن جاء بهم، فجاء بهم العبّاس بن الهيثم الدينَوَريّ. فلما حضروا عند المأمون قالوا له:
أنت أمرتنا بقتله! وقيل بل اختلفوا في القول فقال بعضهم: أمرنا بقتله ابن أخيه، وقال آخرون بل عبد العزيز بن عمران من القوّاد وعلي وموسى وغيرهم، وأنكر