جنبيه من بني أبي العلاء وقتلهم لأخيه داء دخيل، حتى إذا سما السلطان أبو الحسن إلى الجهاد، وأجاز المدد إلى ثغور عمله بالأندلس، وعقد لابنه الأمير أبي مالك، أسرّ إليهم في شأن بني أبي العلاء بما كان أبوه السلطان أبو سعيد اشترط عليهم في مثلها. ووافق منه داعية لذلك فتقبّض عليهم أبو الحجّاج وأودعهم المطبق أجمع. ثم أشخصهم في السفين إلى مراسي إفريقية، فنزلوا بتونس على مولانا السلطان أبي يحيى. وبعث فيهم السلطان أبو الحسن إليه فاعتقلهم، ثم أوعز إليه مع عريف الوزعة ببابه ميمون بن بكرون في إشخاصهم إلى حضرته، فتوقّف عنها. وأبى من إخفار ذمّتهم ووسوس إليه وزيره أبو محمد بن تافراكين بأن مقصد السلطان فيهم غير ما ظنّوا به من الشرّ. ورغب ببعثهم إليه والمبالغة في الشفاعة فيهم، علما بأنّ شفاعته لا تردّ فأجابه لذلك، وجنبوهم إليه مع ابن بكرون. واتبعهم أبو محمد بن تافراكين بكتاب الشفاعة فيهم من السلطان. وقدموا على السلطان أبي الحسن مرجعه من الجهاد سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة فتلقّاهم بالبرّ والترحيب إكراما لشفيعهم. وأنزلهم بمعسكره وجنّب لهم المقرّبات بالمراكب الثقيلة، وضرب لهم الفساطيط، وأسنى لهم الخلع والجوائز وفرض لهم أعلى رتب العطاء وصاروا في جملته. ولمّا احتل بسبتة لمشارفة أحوال الجزيرة، سعى عنده فيهم بأنّ كثيرا من المفسدين يداخلونهم في الخروج والتوثّب على الملك، فتقبّض عليهم وأودعهم في السجن بمكناسة، إلى أن كان من خبرهم مع ابنه أبي عنّان ما نذكره إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
(الخبر عن هدية السلطان الى المشرق وبعثه بنسخ المصحف من خطه الى الحرمين والقدس)
كان للسلطان أبي الحسن مذهب في ولاية ملوك المشرق، والكلف بالمعاهد الشريفة تقبّله من سلفه. وضاعفه لديه متن ديانته. ولمّا قضى من أمر تلمسان ما قضى، وتغلّب على المغرب الأوسط، وصار أهل النواحي تحت ربقة منه، واستطال بجناح سلطانه، خاطب لحينه صاحب مصر والشام محمد بن قلاوون الملك الناصر، وعرّفه بالفتح وارتفاع العوائق عن الحاج في سابلتهم. وكان فرانقه [١] في ذلك
[١] الفرانق: البريد وربما سمعوا دليل الجيش فرانقا، فارسي معرب (قاموس) .